الأمة العربية تمتلك من العقول والنوابغ الفكرية والروحية من العلماء والفلاسفة الكبار، والتاريخ الإسلامي هو تاريخ العقل الإسلامي بعلمائه وفلاسفته وشعرائه وكتابه بأقلامهم وأفكارهم وما يختزن في صدورهم من وهج الحقيقة الإنسانية وهذه أسلحتهم لدحر أسوار التخلف العقلي وهناك كوكبة مضيئة من الفلاسفة والعلماء مثل ابن سينا وابن رشد وابن خلدون وعلى رأس هذه الكوكبة الإمام الغزالي وهو واحد من أعظم علماء الدين في الإسلام وجامع أشتات العلوم وحامي حوزة الدين.
ظهر للعالم الإسلامي الإمام الغزالي في زمن الاضطراب السياسي في العالم العربي وتمزق الخلافات العباسية والأموية والفاطمية.
ولد الإمام الجليل محمد بن محمد بن أحمد أبوحامد الطوسي الغزالي الشافعي حجة الإسلام في سنة 1058م ونشأ في بلده طوس بخراسان، ولد في عائلة فقيرة كادحة، والده غزال مهنته غزل الصوف وكان والده رغم فقره أراد أن يلحق ابنه بالفرق الدينية ليصبح عالما وكان يتضرع إلى الله أن يرزقه ولدا ويجعله فقيها ويحضر مجالس الوعظ.
تعلم الغزالى في طوس مبادئ العلوم وتلقى الدروس الأولى في الحفظ والاستظهار وكان يحفظ الكتب عن ظهر قلب.
رحل إلى نيسابور وتعرف على عالم عظيم قد درس في مكة والمدينة المنورة فصار الناس يلقبونه بإمام الحرمين إنه العالم الجويني وهو عالم الشافعية، درس الغزالى علم الدين والفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية والغزالى أحد تلامذة الجويني ومن داخل مدرسة نيسابور بدأ صيت الغزالى ينتشر وكان أستاذه الجويني لا يترك فرصة لا يشير فيها إلى نبوغ تلميذه الغزالى ويقول في وصفه إنه بحر مغرق.
لما مات الجويني ذهب الغزالى إلى بغداد وهو في السابعة والعشرين من عمره وكانت بغداد في ذلك الوقت تضم نخبة مرموقة من العلماء والأدباء كانوا يؤلفون ويبدعون في رحاب نظام الملك وكان وزير الدولة السلجوقية.
تولى الغزالي التدريس في المدرسة النظامية أربع سنوات في بغداد وقد كان فيه على رأسها نظام الملك الذي أقام المدارس النظامية وكان يغدق العطاء على علماء الدين والشعراء.
تفوق الغزالي على جميع المدرسين بمهنة التدريس وكان واضحا في المعلومات والدروس التي يلقي بها لتلاميذه وأول الدروس التي تعلمها في بغداد إنه يجب عدم الفصل أبدا بين النظرية والسلوك وكان يلمس بتجربته ذلك الانفصال بين أفكار المدرسين من العلماء وبين سلوكهم.
وكان الغزالى يشقى بالعلم من أجل أن ينعم به الناس ويتعب في الدرس من أجل أن ينير الطريق للناس.
وكان فضوله العقلي أن يتحسس معالم الطريق التي عليه أن يسلكها كعالم دين ويطوف ويرتحل في دروب العلوم الفلسفية والدينية وشد الرحال إلى دمشق في سنة 1095م واعتكف في زاوية من منارة المسجد الأموي ومن دمشق توجه إلى بيت المقدس ومنها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج.
بعد عشرة أعوام من الاعتزال والترحال عاد الغزالى إلى نيسابور ليدرس بها وعاد إليها وهو عالم موهوب وألف الكثير من الكتب وأكثرها تأثيرا كتاب إحياء علوم الدين.
وتاريخ الفكر الإسلامي لم يحظ بمؤلف عالم كالغزالي، كان يسعى إلى اكتشاف جوهر الحقيقة وجوهر الدين وعلومه وهو محور وجوده ونقطة ارتكاز حياته وكان ذا عقل متفتح على جميع المدارس العلمية والفكرية والدينية ومتابعة منابع العقل البشري.
وفي الثامن عشر من ديسمبر سنة 1111 م وهو في بلدته «طوس» سقطت الريشة من يده وكف قلبه عن الخفقان مات والحبر يصبغ أصابعه وهو لا يزال يتطلع إلى مزيد من الكتابة والاكتشاف بعد أن كتب وأبدع تسعة وستين كتابا وترجمت مؤلفاته إلى العديد من اللغات الأجنبية ومن أجل هذا كرمته الأجيال بلقب الإمام الحجة.
[email protected]