أتذكر ومع نهاية الثمانينيات وبالتحديد بالعامين الأخيرين كثفت الحكومة جهودها، حيث كان تركيزها على إنشاء وحدات إدارية تنظيمية لتقوم بمهام التخطيط والتطوير الإداري في جميع الوزارات والمؤسسات الرسمية معتمدة في ذلك حجم وأهمية الجهة، فإما أن تكون وحدة إدارية بسيطة بمستوى قسم أو إدارة وأحيانا قد تصل الى مستوى قطاع.
الأهم من ذلك ان تختص بمهام التخطيط والمتابعة والتنسيق وتنمية الموارد البشرية بالتعاون مع الجهات داخل وخارج المؤسسة او الوزارة، بالإضافة للمشاركة في المجالات الأخرى وأهمها تنمية مصادر الدخل الأخرى غير النفط وتحويل إجراءات الخدمات الى الحاسب الآلي وأهمها توطين العمالة الكويتية والخصخصة إلى آخره.
ومرت السنون ونجحت الكثير من الجهات وتأخر البعض ولكن العجلة لم تتوقف، وما انتشار مراكز الحكومة مول إلا أحد مظاهرها.
وأخذت من خلالها الشبكة الإلكترونية العنكبوتية بالاتساع ولهذا سارت الأمور من أحسن إلى الأحسن، وبدأ الضياء يشق ظلام الروتين الدامس الذي استورد وهيمن على الإنجاز من بعض الدول النامية وهيمن على روح الإنجاز، وزادت روح الحماس لملاحقة الدول الصناعية المتطورة.
اليوم تقف الحكومة عند مفترق الطرق لتقيم ما وصلت إليه ناظرة الى جميع العوامل بعيون ناظرة فاحصة وعلى رأسها رضا المواطنين أولا ثم الآخرين والمستفيدين من الخدمات قبل تقديمها، وعليه أمر سمو رئيس مجلس الوزراء بتحويل الدور الحكومي إلى مخطط رئيسي مستعينا بالقطاع الخاص المحلي والعالمي ليلعب دور المنفذ واحتفظ لنفسه بدور المراقب والمتابع وسينقل مهام التنفيذ والتشغيل والإفادة إلى القطاع الخاص، وسيتفرغ لمراعاة ردود الفعل والنتائج الإيجابية والسلبية العلنية المدعومة بالمؤشرات الواقعية لهذه المشاريع.
من خلال تجربتي العملية بالقطاع الحكومي لمدة تزيد على ثلاثة عقود وفي القطاع الخاص لمدة زمنية تقارب الثلاث سنوات والتي تزن أكثر من ذلك مقارنة بالعمل الحكومي ولا يعني ان الخاص أشطر ولكن بيئة العمل تختلف، فهدف الأخير الإنتاج أي اعمل تكسب وليس العكس فاعتقاد الموظف الحكومي بالسنوات الأخيرة توظف تعيش أي أثبت حضورك لتقبض راتبك، مؤكدا ان هذه الصورة بدأت ولله الحمد بالانقشاع والزوال تدريجيا بفضل المخلصين الغيورين على بلدهم لذا استمرت الأجهزة الحكومية بالنهوض ونفضت الغطاء وابتعدت عن الاسترخاء.
وتغيرت المؤشرات الدولية وأخذت تتحسن يوما بعد آخر ولنعلم ان سمو الرئيس بمفرده وحتى وزراؤه او المؤسسات الرسمية لن تصل وحدها للأهداف المنشودة ولكن مشاركه المواطنين وإيمانهم بدورهم وثقتهم بحكومتهم هي ضمان رقيهم وسعادتهم.
مربط الفرس يكمن في دور القطاع الخاص يجب ان يعيد تقييم نفسه وتحديث فكره وموارده البشرية والمادية وأدائه وليكون شريكا استراتيجيا صادقا في أعمال التنمية، وليدرك ان له نصيبا كمخطط أيضا، ولكن مراقبته ستكون من جهة متفرغة وستكون العيون عليه مفتوحة أكثر، فإذا أصاب سيربح ويستمر وان أخطأ فما له إلا الخسارة والابتعاد، وهذا ليس بتحذير بقدر ما هو تنبيه، لأن الحكومة أكدت على أهمية القطاع الخاص ليكون شريكا وعضيدا قويا للنهوض بالدولة ولتسمو بإذن الله دائما وأبدا في مصاف الدول الراقية المتقدمة، فالكويت تستاهل البذل والعطاء فإنها لم تبخل يوما على أي مخلوق على هذه البسيطة.