على الرغم من وجود آيات واضحة وأحاديث صريحة توضح ثواب البر بالوالدين وشدة العقوبة للعاق لهما، إلا أن هناك البعض قد يسيئون الى الوالدين بالقول والفعل، ويتعاملون معهما بغلظة وفظاظة ويرفعون أصواتهم عليهما ويعبسون في وجهيهما، وكأنهم لا يؤمنون بالقرآن الذي صرح بأن طاعتهما من الواجبات وبأن الله تعالى قرن حق الوالدين في البر والإحسان إليهما بحقه - عز جل - في العبادة والتوحيد، قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)، كما قرن سبحانه شكره بشكرهما فقال (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) بل إن الله تعالى أوصى بالبر بهما ولو كانا مشركين.
وقد جعل رسول الله بر الوالدين أحب الأعمال الى الله عز وجل، بعد الصلاة لوقتها، ومقدما على الجهاد في سبيل الله، فعن عبدالله بن مسعود قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب الى الله عز وجل؟ قال: الصلاة لوقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله»، وإذا كانت هذه منزلة بر الوالدين، فإن عقوقهما كبيرة من كبائر الذنوب، والعاق مطرود من رحمة الله يقول رسول الله: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر فقال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين»، كما أن كل الذنوب يؤخر الله الحساب عليها الى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يجعل عاقبته الخسران والهلاك في الحياة قبل الممات، يقول رسول الله «رغم أنفه رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة» إن بر الوالدين تحث عليه العقول السليمة، إذ لا يخفى على عاقل حق المنعم بعد الله تعالى كالوالدين، ولنا في الخليل إبراهيم القدوة الحسنة، إذ ابتلي في أبيه الذي كان يصنع الأصنام، فماذا فعل معه؟ لم يسبه ولم يعيره بأنه كافر يعبد الأصنام، بل ظل إبراهيم عليه السلام يدعو والده بكل أدب واحترام وود، واختار أفضل وأرق الأساليب (يا أبت) كي يستميل قلب أبيه ويدعوه بالحسنى ولكن أباه أبى واستكبر، فماذا قال له الخليل إبراهيم؟ قال: (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) فياله من أدب وخلق، فالإحسان للوالدين أولى خطوات الفلاح في الدنيا والآخرة.