إعداد: محمد ناصر
تعاني المكتبة الكويتية من ندرة الدراسات الموثقة حول الصحافة وتاريخها ومسيرة تطورها، وهو ما يعكف الزميل حمزة عليان على إنجازه عبر كتابه الجديد «ممنوع من النشر.. تاريخ الرقابة في الكويت» الصادر عن منشورات «ذات السلاسل» والذي يعرض فيه فصولا وأحداثا عديدة غطت جوانب مختلفة من أشكال الرقابة منذ ما قبل الاستقلال مرورا برقابة الخمسينيات والستينيات وصولا إلى الثمانينيات والرقابة المسبقة.
يخوض عليان غمار البحث في كتابه الجديد من موقع المعاصر والمواكب لما مرت به الرقابة على الصحف عبر مراحل مختلفة بحكم عمله كباحث وخبير في مراكز المعلومات الصحافية ومسؤول قسم المعلومات في الزميلة «القبس» ليقدم لنا حصيلة وافرة من وقائع الرقابة بكل أشكالها.
ومن ضمن ما يتميز به الكتاب أيضا تدعيمه الأخبار بصور عديدة لمقالات ممنوعة ونماذج كثيرة من رقابة الستينيات والثمانينيات.
وأجرى عليان مراجعة معمقة لعدد من صحف الستينيات كالرأي العام والطليعة على مدى شهور عديدة، وخرج بخلاصة قدمت صورة واضحة وشاملة لكيفية عمل الرقابة في تلك الفترة وما حدث من حالات شد وجذب بين السلطة وأصحاب الصحف.
كتاب مرجعي
الكتاب يعرض بصورة متسلسلة عبر 8 فصول لعالم الرقابة الأول يتحدث عن البدايات ورقابة ما قبل الاستقلال، والثاني عن رقابة الخمسينيات والستينيات، والثالث يستعرض تاريخ المادة 35 وعلاقة الصحافة بالسلطة، والرابع يتوقف عند الرقابة المسبقة في المرحلة 1986 ـ 1992 والخامس يروي قصة الرقابة على الكتب ومعرض الكتاب العربي، والسادس يختص بالتعطيل والمحاكم والذي طال الصحف والمجلات، والسابع يسلط الضوء على الرقابة الذاتية داخل الصحف، والأخير يتناول مشاهد ومحطات من الرقابة العربية والخليجية.
مرحلة الستينيات
يعتبر الكاتب ان صحافة الستينيات وما بعدها عاشت مرارة الرقابة أكثر مما يعتقده البعض. ومن ضمن ما يذكره أن صحيفة «الرأي العام» وجهت «رسالة إلى رقيب» يوم الأول من أغسطس 1967 وكذلك فعلت «صوت الإيمان» يوم 24 مارس 1956 بمقالة عنوانها «الرقابة والصحف».
إذ شهدت فترة الستينيات نهضة صحافية جديدة واكبها صدور قانون للمطبوعات والنشر وهو القانون رقم 3 لسنة 1961 وبعد 4 سنوات تقريبا اتخذ مجلس الوزراء قرارا بإغلاق جريدتي «الطليعة» و«صوت الخليج» لمدة 6 أشهر تبدأ من 21 أكتوبر عام 1965، وكان مجلس الوزراء قد اتخذ قرارا بتعطيل جريدة «الرسالة» لمدة شهرين، استنادا الى المادة 35 من قانون المطبوعات المعدل والتي تعطي لمجلس الوزراء حق التعطيل.
تلك القرارات دفعت جمعية الصحافيين لدعوة الصحف والمجلات للاحتجاب لمدة أسبوع ابتداء من يوم السبت 23/10/1965.
كما يتطرق الزميل حمزة عليان الى مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات النيابية في الخامس من يناير 1967 وإعلان النتائج وظهور قضية التزوير التي صاحبت تلك الانتخابات وكان من ضمن المرشحين عبدالعزيز فهد الفليج صاحب جريدة «أخبار الكويت» والذي لم يحالفه الحظ بالنجاح.. في حينه نشرت الصحيفة والتي صدر العدد الأول منها في الأول من مارس عام 1962 رسما كاريكاتيريا لأحمد العامر وفيه تظهر الديموقراطية محمولة بنعش على أكتاف المواطنين وكأنهم يشيعونها الى مثواها الأخير، في إشارة واضحة للنكسة التي منيت بها المعارضة السياسية الممثلة بالقوميين العرب وكانت «أخبار الخليج» و«الطليعة» تمثلان هذا الاتجاه.
الأحكام العرفية
ويتابع الكاتب الغوص في تفاصيل تلك المرحلة ويستعرض فترة إعلان الأحكام العرفية عام 1967 ويقول: أفصحت الرقابة عن نفسها «بطريقة مكشوفة وغير معهودة» وكأنها تشير بأصابع الاتهام الى ما فعله المقص الذي تلجأ إليه دون حرج، فقد جرت العادة ان تطلب الرقابة من الصحف ضرورة ملء الفراغات البيضاء والمساحات الممنوعة من النشر بحيث لا تترك الانطباع عند القارئ بأن لها يدا في الحذف، تفسير ذلك قد يكون بسبب حداثة الرقابة في تلك التجربة، ولذلك مارست الدور بصورة «عفوية» لتترك صفحات كاملة بيضاء مع كلمة الرقابة وبما يشبه دليل الإدانة.
ويورد الزميل بعضا من طرائف رقابة ذلك العهد ومنها ان كتب المحرر في «الطليعة» تعليقا تحت كلمة «ملاحظة» وعد فيه القراء «بأننا سنعلق في هذا العدد على أقوال الصحيفة الإيرانية وللأسف الشديد لم تسمح الرقابة بنشر تعليقنا» وأنهى الجملة بكلمة شكرا، وظهرت كما هي (انظر النص في آخر الفصل) بتاريخ 29 نوفمبر 1967، أما رأي «الطليعة» فقد حذف بالكامل واستبدل بكلمة واحدة.. مراقبة.
فترة الثمانينيات
أما عن مرحلة الرقابة المسبقة من 1986 الى 1992، فيستعرض عليان بعضا من جوانبها، ففي عهد الرقابة المسبقة لم يكن مسموحا القول ان هناك تذبذبا في أسعار السوق بالبورصة، وان النهج الغالب في الحركة لعام 1986 كان سياسيا، أو الحديث عن الخطة الخمسية بسخرية او التكلم عن الوزراء والمسؤولين بطريقة تنم عن ضعفهم بالأداء او التشكيك باستقلالية الدول الاسلامية في اتخاذ القرار السياسي.
ويضيف انه أثناء فترة حل مجلس 1986 كانت الصحف تخضع لرقيب منتدب من قبل وزارة الإعلام كان بمنزلة الآمر الناهي يملك كل السلطات والصلاحيات بالمنع، ومن القصص التي رواها انه عندما نشرت «القبس» كلمات متقاطعة بصفحة التسالي، فوجئ جهاز التحرير بأن الرقيب أوقفها وطلب استبدال كلمة «الحل»، وعندما جرى الاستفسار عن السبب ابلغوا بأن كلمة «المعتصم بالله» وهي حل الكلمات المتقاطعة تعني انكم تدعون الناس للاعتصام، وعبثا حاولوا الشرح والإقناع للرقيب لكنه أصر على رأيه وكان له ما يريد.
رفع الرقابة والوصاية
انتهت رسميا الرقابة المسبقة يوم الأحد 12 يناير 1992 وصدرت الصحف الكويتية يوم 13 يناير دون ان تلمس أحرفها عينا الرقيب بعد 5 سنوات و6 أشهر و10 أيام تحديدا، وهللت الصحف جميعها بهذا الخبر السعيد ورحبت الأوساط السياسية والشعبية والفكرية بالقرار واعتبرت ذلك انتصارا للكويت والديموقراطية وبداية لتصحيح أوضاع الصحافة التي عانت الكثير من الرقابة جاء في نص القرار الوزاري الذي أصدره وزير الإعلام د.بدر جاسم اليعقوب بعد اجتماع عقده مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمه الله ما يلي: بعد الاطلاع على قانون المطبوعات والنشر رقم 73 لسنة 1961 المعدل بالأمر الأميري بالقانون رقم 73 لسنة 1986، وبعد الاطلاع ايضا على القرار الوزاري رقم 248 لسنة 1986 بشأن إخضاع جميع المطبوعات الدورية للرقابة المسبقة على النشر المسبق، فقد تقرر ان يلغي القرار الوزاري رقم 248 لسنة 1986 بشأن إخضاع جميع المطبوعات الدورية للرقابة المسبقة على النشر.
حرية التعبير
وتطرق الكاتب ضمن فصل التعطيل والمحاكم لعدد من الدعاوى المتصلة بحرية التعبير ومنها:
قضية «الأنباء»
عام 1995 عندما أصدر مجلس الوزراء قرارا بتعطيل «الأنباء» لمدة 5 أيام بناء على المادة 35 مكررا من القانون رقم 3 لسنة 1961، وهو قرار باطل بعد رفض مجلس الأمة عام 1982 الأمر الأميري بالقانون رقم 59 لسنة 1976 والخاص بنفاذ المادة 35 مكررا من قانون المطبوعات والنشر، وكذلك رفضه مرة ثانية عام 1993 عدم الموافقة على الأمر الأميري للقانون رقم 73 لسنة 1986 والصادر في أعقاب حل مجلس الأمة، وكان المنع بسبب نشر مقابلة لأمين عام الحركة الدستورية الإسلامية عيسى ماجد الشاهين أكد فيها ان الحركة غير مقتنعة بمبررات تعديل قانون المديونيات اعتبرت إساءة لروح الوحدة الوطنية وبث الفتنة والشقاق في صفوف المجتمع الكويتي.
ويعرج الكاتب على الرقابة التي يتعرض لها موضوع الكتاب الذي يقام سنويا في الكويت بدءا من شهر نوفمبر عام 1975 هو الثالث على مستوى العالم العربي بعد معرضي القاهرة وبيروت، حيث تقوم إدارة المعرض التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بتلقي الكتب من الناشرين وتعرضها بدورها على لجنة الرقابة التابعة لوزارة الإعلام وهي التي تتخذ القرار المناسب من وجهة نظرها، تتبارى الصحف بنشر أسماء الكتب المصادرة والتي وصلت إلى المئات.
ويعتبر ان عمليات المصادرة في السنوات اللاحقة تفاقمت الى الأسوأ نتيجة الضغوط التي مارستها التيارات الدينية والتهديد باستجواب أي وزير يتساهل مع الرقابة والمنع، وبحسب التقارير التي نشرها عدد من الصحف الكويتية فقد جرى منع 1220 كتابا وحجز أكثر من 2050 كتابا في عهد الوزير د.سعد بن طفلة العجمي.
ويختتم الزميل عليان كتابه بمشاهد ومحطات من الرقابة العربية ويتطرق لحكايات طريفة عن الرقابة في دول الخليج العربي ومصر ولبنان والعراق وغيرها من الدول.
قائمة ممنوعات الثمانينيات في الصحافة الكويتية
كانت أدراج المحررين وسكرتيري التحرير في تلك الفترة تشهد عملية حفظ مواد وضعت عليها الرقابة «فيتو» اي انها ممنوعة من النشر، وهناك الآلاف من المواد المحذوفة والتي لم تجد طريقها للنشر معظمها يحاكي ما تشعر به السلطة بأنه يدخل في قائمة المحظورات والممنوعات، بصرف النظر عن مكان حدوثه، فمثلا ممنوع انتقاد «السياسة» الأميركية في المنطقة، ممنوع نشر صور عن مظاهر الديموقراطية في العالم، ممنوع نشر أخبار عن وفيات بحوادث الطرق، ممنوع الغمز من أي زاوية للحالة السياسية في الكويت حتى لو كانت عن طق يا مطر طق.. ممنوع نشر أخبار عن زيارة رئيس أجنبي للكويت إلا عند وصوله والسماح بتصوير المناسبة، ممنوع التحدث أو إسقاط المعنى على مناسبة جامعية، ممنوع الكلام عن مطالب جامعية، أو خبر أمني عن شرطي خطف شقيقة فنانة، ممنوع الحديث عن الأغنام الأسترالية المريضة، ممنوع التعليق على قرار نقل إداري لموظف بوزارة الشؤون، ممنوع الكلام عن الهبوط في أسعار النفط الخام، ممنوع انتقاد حالة المواطن المسلم الذي يفتقد حقوقه السياسية والفردية، ممنوع النقد الساخر والحديث عن الأطباق الطائرة.
ممنوع نشر اتهام ليبيا للمخابرات العسكرية المصرية بتعذيب طاقم طائرة ليبية هبطت في مصر، ممنوع الكتابة عن احتجاجات طلابية وإضراب للمعارضة في بنغلاديش، ممنوع التشكيك بجدوى الخطة الخمسية، ممنوع التطرق إلى تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك عن الكويت وسورية.