خلال 15 عاما في السلطة، نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إحداث تغييرات عميقة في تركيا، ويحاول الآن ترسيخ إنجازاته نهائيا ودخول التاريخ على قدم المساواة مع مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال اتاتورك.
فلا السجن ولا التظاهرات الحاشدة ولا حتى المحاولة الانقلابية نجحت في وقف صعود «الريس» كما يحلو لأقرب مؤيديه تسميته، والذي يحكم البلاد بقبضة تزداد حزما منذ 2003. وفي سن الرابعة والستين بات أردوغان قريبا من تحقيق هدفه.
أيا تكن نتيجة الاقتراع الذي شهد منافسة حادة لم تكن متوقعة، نجح أردوغان في تغيير تركيا عبر مشاريع هائلة للبنى التحتية واتباع سياسة خارجية أكثر حزما، مجازفا بإغضاب الحلفاء الغربيين التقليديين.
بالنسبة لأنصاره، يبقى أردوغان على الرغم من الصعوبات الحالية، رجل «المعجزة الاقتصادية» التي أدخلت تركيا إلى نادي أغنى 20 دولة في العالم، وبطل الأغلبية المحافظة التي تثير استياء نخبة المدن وحماة النظام العلماني.
لكن معارضي أردوغان يتهمونه بنزعة استبدادية، لاسيما بعد المحاولة الانقلابية.
خطيب استثنائي
غالبا ما يصور أردوغان في الغرب كسلطان متمسك بالعرش، لكن الرجل الذي يحن إلى الامبراطورية العثمانية، هو في الواقع سياسي محنك فاز في كل الانتخابات التي جرت منذ وصول حزبه حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002.
وفي مهرجاناته الانتخابية، يظهر موهبة خطابية استثنائية ساهمت إلى حد كبير في استمراره سياسيا، مستخدما القصائد القومية والقرآن لإثارة حماسة الحشود.
ولد أردوغان في حي شعبي في اسطنبول وكان يتطلع الى امتهان رياضة كرة القدم التي مارسها لفترة قصيرة، قبل ان ينتقل الى العمل السياسي.
وتعلم أصول اللعبة السياسية داخل التيار الإسلامي الذي كان يقوده نجم الدين أربكان، ثم دفع الى الواجهة مع انتخابه رئيسا لبلدية اسطنبول في 1994.
في 1998، حكم عليه بالسجن مع النفاذ بعدما أنشد قصيدة دينية، في حادث لم يؤد سوى الى تعزيز موقعه.
وسنحت له الفرصة للانتقام عند فوز حزب العدالة والتنمية الذي شارك في تأسيسه، في انتخابات 2002. ففي السنة التالية أصبح رئيسا للحكومة وبقي في هذا المنصب حتى 2014 عندما أصبح أول رئيس تركي ينتخب بالاقتراع العام المباشر.
ويبقى أردوغان المتزوج والأب لأربعة أولاد، السياسي المفضل لدى غالبية من الأتراك، وهو الوحيد القادر على «التصدي» للغرب وقيادة السفينة عبر الأزمات الإقليمية بدءا بالنزاع في سورية.
وسمحت له خطبه العنيفة ضد ظاهرة «العداء للإسلام» المتصاعدة في أوروبا ومواقفه المؤيدة للفلسطينيين باكتساب شعبية كبيرة في العالم الإسلامي.
«الأعمال باقية»
لكن منذ التظاهرات الكبيرة المعادية للحكومة والتي قمعت بعنف في ربيع 2013، أصبح أردوغان الشخصية التي تواجه أكبر الانتقادات في تركيا، حيث يتهمه معارضوه بالاستبداد والسعي لإرساء حكم إسلامي.
وفي نهاية 2013 هزت سلطته فضيحة فساد مدوية استهدفت الدائرة القريبة منه. رأى أردوغان في القضية «مؤامرة» وتم خنقها.
لكن «الريس» واجه أسوأ اختبار ليل 15 الى 16 يوليو 2016، خلال محاولة انقلابية دامية.
وقد طبعت في الأذهان صورة أردوغان شاحب الوجه، وهو يطلق نداء الى الشعب في تلك الليلة عبر شاشة هاتف نقال، ثم بعد ذلك وصوله مظفرا إلى مطار اسطنبول عند الفجر معلنا هزيمة الانقلابيين.
واتهم الرئيس التركي حليفه السابق الداعية فتح الله غولن بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، وهو ما ينفيه غولن. وتلت الانقلاب الفاشل حملة تطهير واسعة.
وفي كل الأحوال يبدو أردوغان الذي يمجده مؤيدوه ويكرهه معارضوه، مقتنعا بأنه سيترك بصمة لا تمحى في تاريخ بلاده.
ويكرر الرئيس الذي أمر ببناء مسجد كبير في اسطنبول على غرار ما فعله السلاطين قبله «الرجل يموت وأعماله باقية من بعده».