إلى متى ستبقى مجتمعاتنا العربية تتوارى خلف الستار، خجلة من ان يكون اي من أفراد أسرتها يعاني أي نوع من الإعاقة والسبب انه عار او يخجلون منه؟! هذه الحقيقة لا نستطيع أن ننكرها او ندير ظهورنا لها والسبب ان الله سبحانه وتعالى هكذا أراد وعلى الإنسان ان يتقبل امتحانه.
هذا يتساوى فيه الجميع أيا كانوا على سلم الطبقات الاجتماعية، وبما أنك كامل الصورة الجسدية والعقلية أدعوك للتفكر: أنك وأني بمفردنا قليل، إذن أنا وأنت وهو وهي معاقون، بكوننا نحتاج إلى بعضنا، ودون ذلك لا نستطيع العيش والاستمرار والبقاء، ولن يكون لنا في الحياة أي نجاح، أحتاجك وأحتاجها وتحتاجني ويحتاج بعضنا بعضا. من هنا أبدأ القول: ليس ذاك الذي أصيب بحالة مرضية، أدت إلى ظهور التباين الواضح بينه وبين الآخر الكامل في الشكل المرئي للإنسان، هو الذي ارتكب خطأ أدى به لحصول التمايز، كما أنه ليس بذاك الذي أصيب أثناء مراحل العمل نتيجة أي نوع من الحوادث الطبيعية، أو الاصطناعية، أو القاهرة التي نطلق عليها «إصابة العمل»، وليس أيضا من ظهر عليه المرض العضال مبكرا أو متوسطا أو متأخرا ضمن مراحله العمرية، أو رافقه حتى النهاية، وليست هي أو هو الوليد الذي حمل نقصا مناعيا ما، أو خللا جينيا أدى إلى ظهوره في حالة منعته قسرا من القيام بمساعدة نفسه أو الآخر واحتاج لمعونته ومرافقته من أجل تسهيل أدائه لوظائفه الحياتية الطبيعية، كما انه ليس هذا الذي فقد عضوا من أعضائه الظاهرة: قدما، يدا، عينا، أذنا، أو حاسة من حواسه السبع: اللمس، الشم، التذوق، النظر، السمع، العاقلة، والناطقة، قدريا في المنهج العام، أو ظرفيا مكانيا زمانيا في الخاص، ومجموع كل ذلك اعتاد العامة أن ينسبوه إلى القدر، وعدم القدرة على فهم أسبابه، فالإصابة القدرية الولادية علاقتها بالمورّثات، واتحاد الصبغيات وظروفها الثابتة والمتحولة xx الأنثى وxy الذكر. ونعود للمعاق الجنيني، لا ذاك الذي فقد عينا أو قدما أو يدا، أو قطع طريقا أو عرقل بحثا علميا على كل محاوره، وأبحث في أولئك غير المتشابهين معنا، الذين لم يستطع العلم بكامل قوته وما وصل إليه أن يوصلهم إلى مرتبة الأصحاء، ويعمل البحث العلمي جاهدا لفهم مرض المنغولي مثلا، أو المتوحد، أو ذي الشلل الرباعي، أو أصحاب نقص النمو في الغدد، وأسأل: هل تتساوى حاجاتهم بحكم إعاقتهم مع حاجاتنا، بحكم كمالنا بالصورة التي ننظر إليهم من خلالها؟ وعلينا ألا ننسى المعاق الفطري، أي: القادم من ظروف ولادية لا يتحكم بها الإنسان الكامل الصورة، وبذلك حالة روحية نادرة تستدعي التقرب إليها والاهتمام بها، لا النفور منها والهرب والابتعاد عنها، ففي هذه الشخصيات قوى روحية هائلة وكامنة، أطلق عليها ـ إن أحسن التعامل معها ـ (أرواح البركة والكرامة)، ولاشك أن رعايتها والحفاظ على أدبيات التعامل معها يؤديان إلى الخير العميم والمديد، وأن معاملتها بسوء تعني انقطاع الخير، والتفاعل الإيجابي معها «سِفْر» من أعراف التاريخ الإنساني.
أعزائي: الأبواب مغلقة والهموم موزعة فيما بيننا، فهل هناك من سوي كامل أمام معاق نراه في النظر ناقصا؟ وفي حقيقة الأمر ضمن آلية التبصر والبصيرة هو الكامل، ونحن من يمتلك النقص، لذلك نسعى جاهدين للكمال ما عشنا، والذي لن نصل إليه، أدعوكم لفهم ومساعدة المعاق، ومعرفة المعاق، وما يعوق استمرارنا وتطورنا.
وهنا اقدم الشكر لسيدة سورية الأولى عقيلة الرئيس بشار الأسد، بأن اهتمت بالأسرة السورية عامة والمرأة الريفية خاصة، ذهبت إليها ووقفت عند همومها وقدمت لها صندوق الإعانة والجمعيات والرعاية الصحية، كما اهتمت بالمعاق وقدمته للمجتمع السوري والعربي والعالمي بأنه إنسان كامل علينا رعايته والاهتمام به والاستفادة منه «وصدقت عندما أطلقت شعار «مع بعض كل شي بيصير»، وكذلك اشكر د.نبيل طعمة على إلقاء الضوء للمجتمع بشكل كامل وخص الطبقة المثقفة وصاحبة القرار، فمن يقرأ زاويته «المعاق» وما جاء بين سطورها يدرك فعلا إلقاء نظرة حقيقية مؤلمة في قلوبنا على واقع أناس لا ذنب لهم سوى ان الله خلقهم كذلك او تعرضوا لحوادث جعلت منهم حاملي «اسم المعاق».
هدى العبود