- عملت مع أمراء وشيوخ في الخليج العربي كانوا منارة تثقيفية وفنية عالية المستوى.. وأعتز بصداقاتهم وحب جمهور الخليج للفن السوري
- بعد «عطر الشام» سأتوجه مباشرة إلى الأردن لتصوير الجزء الثالث من «راس غليص» المطلوب خليجياً
دمشق ـ هدى العبود
عندما تلقينا اتصالا هاتفيا من المكتب الإعلامي بالموافقة لإجراء حوار مع النجم العربي والعالمي السوري رشيد عساف، حزمنا أمرنا مع أسئلة تدور برأس كل صحافي، خصوصا انه لن يكون أمام فنان عادي، فنان مثقف وله صولات وجولات في ساحات التمثيل من مسرح ودراما تاريخية معاصرة وسينما.
فنان تنتظر أعماله الفضائيات الخليجية والمصرية، نظرا لما يتمتع به من مهارة فنية، وقوة لغوية، فقد شاهدناه بطلا يجسد شخصية «معاوية بن أبي سفيان» و«هارون الرشيد»، كما انه يتهيأ لبطولة فيلم في الولايات المتحدة الأميركية، واعتذر عن آخر، لأنه يحكي عن العراق مخالفا للحقيقة.
فنان لا يساوم وترفع له القبعة، حقق انتشارا جماهيريا من خلال أدوار الفانتازيا، شاهدناه بـ «الكواسر» و«البواسل»، وعرفناه محبا للأعمال التاريخية من خلال العديد من الاعمال من أبرزها: «ابن عجلان» و«البركان»، و«بدوية» من خلال جزأين لمسلسل «راس غليص» الذي يتهيأ حاليا لتصوير الجزء الثالث منه، كما تربع على عرش الاعمال الخاصة بالبيئة الشامية من خلال «طوق البنات» و«طاحون الشر» و«الخربة» واليوم «عطر الشام»، مجسدا حقيقة ما جرى في غابر الأزمان من أماكن من شهدوا أحداث تلك القصص والحكايات بأفراحها وأتراحها.
«الأنباء» التقت الفنان السوري القدير رشيد عساف.
فإلى التفاصيل:
لنبدأ من حيث انتهيت من لوكشينات التصوير «عطر الشام»؟
٭ عندما قرأت «عطر الشام» أعجبني النص، وأنا لا أفرق بين العمل التاريخي والمعاصر، ما يهمني، هل أنا قادر على تجسيد هذه الشخصية وأعطيها حقها؟ لكن أنا أعيش الشخصية بكل جوانبها وجوارحها، ولا أعيشها خارج التصوير، بل أفكر فيها، وكيف يمكن أن أعطي الأفضل.
هكذا ينظر الفنان الكبير رشيد عساف إلى الفن؟
٭ الفن برأي كفنان هو فرجة، لأنه يتضمن حكايات الجدات، ووسيلة الاتصال مع الناس، وهذه النوعية من الاعمال تعكس واقعا معينا، وفيها واقع لا مانع لدي أن «أتمثله» أي أعيش الشخصية بحذافيرها وجزئياتها، و«عطر الشام» أعادني لمسلسل «طوق البنات» وجماهيريته الواسعة على المستوى العالمي، وأقول العالمي، لأنني تلقيت اتصالات لا تعد ولا تحصى، وإذا عدتم إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فستشاهدون الكم الهائل من الاتصالات والتعليقات، وكم حمل هذا المسلسل بأجزائه على «اليوتيوب» للمشاهدة، وأقصد بالعالمية، حيث يتواجد الإخوة العرب والسوريون في بلاد المغترب، وبالنسبة لي كفنان أنا يلزمني أن أتواجد بالأعمال الجماهيرية.
ماذا عن الاعمال الفكرية المعاصرة التي نشاهدك بأغلبها؟
٭ قبل الإجابة، كل رمضان وامتنا العربية بألف خير، وأركز على امتنا العربية لأن هناك قواسم مشتركة تجمعنا، من حيث اللغة والدين، وأقصد بكلمة دين «القرآن والإنجيل»، وشهر رمضان له طقوسه الخاصة به، لأنه بحاجة لوجبات خفيفة ولا نستطيع أن نقابل الجمهور بوجبات دسمة، لذلك هذا النوع من الحكايات المشوقة من الاعمال هي المناسبة، مثل «باب الحارة» وحكاياته وقصص سعاد، و«طوق البنات» وحكاية البنت التي ضاعت من أهلها، والاستعمار الذي عانى منه العرب لمئات من السنين، وها نحن مع الأسف نعود للخلاص منه، بمعنى أهم شيء في الدراما هو الإثارة من صراع الشخوص في العمل وتطور هذه الشخوص، ومن الاحداث المفاجأة التي يكتبها المؤلف.
ماذا عن مضمون الدور الذي تلعبه خاصة أنك نجم «عطر الشام»؟
٭ أجسد شخصية أبو عامر كبير حارة القصب، زعيم الحارة، متزوج من ثلاث سيدات، والسبب البحث عن الإنجاب، ويتزوج الرابعة، هناك سير للأحداث مفاجئ ومثير جدا، لكن في الزواج الرابع تحدث صدمة كبيرة سأتركها للجمهور كي يستمتع بالمشاهدة وينتظر العمل بفارغ الصبر.
وماذا عن مسلسل «الغريب» جديدك لعام 2016؟
٭ عمل درامي معاصر من تأليف عبدالحميد حيدر وإخراج إياد النحاس، تتضمن أحداثه مدة خمسة وعشرين عاما، أدخل فيها السجن، وأظهر وابنتي الصغيرة تكبر، ونتطرق للأحداث التي تعيشها سورية حاليا، ومازالت الأدوار توزع على الفنانين، لكن العمل من بطولتي، كما أنني استطيع أن أصفه بأنه سيكون بطولة جماعية، وهذا ما تتصف به الدراما السورية، على خلاف الدراما المصرية، إذ ان البطولة تكون لفنان واحد والباقي درجة ثانية.
قيل انك تستعد لمغادرة سورية من أجل تصوير الجزء الثالث من «راس غليص»؟
٭ فعلا سأتجه إلى الأردن من اجل تصوير الجزء الثالث من مسلسل «رأس غليص»، لأن العمل مطلوب جماهيريا وبالأخص خليجيا، علما انه من تنفيذ وإنتاج شركة المركز العربي لصاحبها طلال عواد من الأردن، ومن تأليف الكاتب مصطفى صالح، وأعتبر «راس غليص» نقطة مضيئة في حياتي الفنية جماهيريا.
من خلال الحديث بشكل جانبي أراك وكأنك ترسل رسائل حب شفهية لجمهورك في الخليج العربي، فسر لنا ذلك؟
٭ أنا أحب جمهوري العربي من المحيط إلى الخليج، لكن عندما أتلقى رسائل واتصالات من اغلب المشاهدين في هذه البلدان، محبة لفني، سأبادلها كل الحب والتقدير، وأنا عملت مع أمراء وشيوخ كانوا منارة تثقيفية وفنية عالية المستوى، وهنا اعدتني إلى «طوق البنات» وكيف انفرط هذا العقد وضاعت تلك الطفلة لسنوات، تلقيت اتصالات من شيوخ تسأل بلهفة عن الطفلة ومصيرها، وبالمناسبة ان رجاء الشفري، هي المعنية أصلا بحكاية الطفلة «ست الشام» منذ البداية حتى النهاية ومقيمة بالكويت، ومتزوجة من صحافي كويتي مرموق، ودون اسمها على الشارة أثناء العرض، واعتبر أن ما تلقيته من إعجاب بالعمل وقصته التاريخية الحقيقية يفوق الأجر الذي تقاضيته عن أتعابي بهذا العمل، لأن رأس المال هو مقدمة العمل، وصلب الحكاية الحقيقية التي جرت أحداثها بمدينة دمشق، وتحديدا في حي الصالحية، والبيت ما زال شاهدا حتى يومنا هذا.
هل كشف لنا النجم رشيد عساف عن العروض التي قدمت له للعمل في الولايات المتحدة الأميركية؟
٭ قدم لي فيلمان سينمائيان، الأول عن العراق ورفضته لأنهم يريدون أن يأخذوا وجهة نظر مختلفة عن الواقع، بمعنى ما يخدم مصلحة بلادهم، والثاني قيد الدراسة، والعملية اعتبرها هي مسألة عرض وطلب، عرضت بظرف معين، لكنني لا أعمل إلا ما أقتنع به وأعود لدراسته، بل واستشير أصحاب الرأي مثلا من مؤرخين لحقبة معينة، وسياسي يعيش الواقع حاليا وله علاقة بمراكز القرار، أنا لا أقف أمام كاميرا، وتكون بصمتي بالعمل ما لم أقتنع به بشكل مطلق.
هناك شكوى في الوسط الفني السوري من تدني أجور الفنانين لصالح أجر النجم في العمل.. بماذا تعلق؟ وهل الحق يقع على عاتق شركات الإنتاج؟
٭ المسألة هي عرض وطلب بين شركة الإنتاج والفنان، في حال كان الأجر لا يناسب الفنان فمن حقه أن يرفض، وأنا شخصيا تقاضيت عن دوري بمسلسل «آخر الفرسان» من سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مبلغا يفوق أجري عن عشرة مسلسلات، كما أن مسلسل «باب الحارة» يعتبر استثناء من حيث الأجور التي تقاضاها النجوم، ولكي نكون منصفين هناك أعمال أهم من «باب الحارة» تقاضى نفس الفنان ربع أو نصف الأجر الذي كان قد تقاضاه بأعمال أخرى، كنا نوازي الأجر على الدولار في سورية وخارجها، وأنا أعمل في الخليج العربي، ومصر وخارج البلدان العربية، جميعها تقدر الأجر بما يوازي العملة الصعبة، لكن مع الأسف هناك بعض شركات الإنتاج تضررت ميزانيتها بسبب تدهور أسعار «النفط»، إذا الفن والسياسة صنوان لهم تأثير مباشر على كل مناحي الحياة.
بما أننا نتحدث عن معضلة يعاني منها الفنانون السوريون.. كم تقاضيت عن بطولة «عطر الشام»؟
٭ الحمد لله تقاضيت أجرا جيدا، أخذت حقي، كما أنني اعتذرت من شركة «قبنض» المنتجة عن أعمال أخرى، لأن النص الذي قدم لي لم يقنعني، كما اعتذرت عن «عناية مشددة» لأنه دموي، واعترضت على تواجد بعض الشخصيات الفنية التي كانت موجودة بالعمل، لأن الانتقام متبادل، ونحن في سورية نعيش حربا طاحنة، ومن يكتب عن الحرب حاليا عليه أن ينتظر سنوات وسنوات ليقف على حقيقة من تسبب في هذه الحرب، وكيف جرت الأمور وتطورت، لا أن يبحث المنتج والكاتب والفنان عن الربح والتسويق على حساب دمار وطن، وأنا بطبعي لا اعمل مع أي فنان يعطيني طاقة سلبية أثناء العمل، أو لا يجيد التمثيل.
شركات الإنتاج متهمة بأنها لا تتسوق العمل إلا إذا كان النجم «فلان» هو البطل؟ كيف تنظر لذلك؟
٭ في النهاية الشركة بحاجة إلى التسويق، وهمها الوحيد الربح وليس الخسارة، فالأعمال المصرية عندما تشاهد أن الفنان حسين فهمي أو يحيى الفخراني أو الراحل نور الشريف، أبطال للأفلام السينمائية أو الدرامية، فإن التسويق مضمون ومكفول وسيعود على شركة الإنتاج بالأرباح العالية، لأنهم أبطال شباك تذاكر، إذ ان النجم قادر على أن يعيد المال أضعافا مضاعفة، وهذا حق مشروع لهم، لكن الأعمال السورية برأيي مختلفة، فالدراما بكل أنواعها تعتمد على «البطولة الجماعية»، لكن في السينما الوضع يختلف تكون لنجم أو اثنين على الأغلب.
بماذا يعلق الفنان عساف على الأعمال التي تظهر المرأة السورية متخلفة؟
٭ هذا واقع وصحيح، فعلا المرأة السورية في بعض الأرياف متخلفة من حيث الحياة الاجتماعية، ففي بعض الأرياف ومنها ريف دمشق وحلب، عندما كنا صغارا كنا نشاهد سيدات كل واحدة ملايتها شكل عن الأخرى، وهذا مثل الحقبة العثمانية التي فرضت علينا أربعمائة عام من التخلف والتشرذم، برأي هذه العبثية القدرية التي كنا نعيشها اليوم هي الماضي بفكر الحاضر.
كيف ترى «الشللية»؟
٭ مع الأسف موجودة في كل الدول العربية، واغلب المنتجين «لهم ناسهم»، أي الفنانون الخاصون بهم، وعلينا أن نأخذها من منظور متطور، فقد يجد هذه المجموعة تتفهم طبيعة العمل وتقبل بالأجر الذي وضع لها، ولا تتخلف عن أوقات التصوير وتحترم عملها ولديها موهبة، وهذا ييسر العمل ويسرع التسويق.
أليست مؤذية برأيك كما يشتكي منها الفنانون؟
٭ لنكن صريحين، عندما يتقاضى فعلا البطل أغلب الأجر، فإن ذلك هو قطع للأرزاق، في حال تكون الشركة المنتجة يعتمد بحساباتها على هذا النحو، أو أن يشترط النجم أنه لا يعمل في حال تواجد هذا «الجروب» من الفنانين، وأنا شخصيا انسحب من أي عمل لا أرتاح فيه مع الفنانين المتواجدين في الكاست، لأنني أشعر بطاقتهم سلبية اتجاهي، واشترط على من يعمل معي أن تكون لديه موهبة.
كيف ينظر رشيد عساف للدراما السورية في ظل الأزمة الحالية؟
٭ أنا لست مستاء، بل على العكس مرتاح لأن الإنتاج الفني بقي على حجمه الكمي والنوعي والمنطقي، لأنه من المستحيل أن تنتج جمهورية مصر ستين عملا دراميا، وسورية تنتج خمسين، هذا غير صحي وبعيد عن الواقع والمنطق وغير صحيح، وعلينا أن ندرك أن مصر قارب تعداد سكانها المائة مليون نسمة وسورية أربعة وعشرون مليونا وحاليا اقل بكثير، وبرأي إن 20 عملا فنيا مدروسا بشكل جيد يقدم الدراما السورية بشكلها اللائق ويعتبر نموذجيا جيدا ويرفع من سوية الدراما.
هناك أعمال لا ترتقي لمستوى الدراما السورية صدرت جراء الأزمة السورية؟ كيف تنظر إليها؟
٭ لقد أصبحنا مرعبين، وأنا شخصيا انسحبت من بعض الأعمال لأنها كانت نوعية رخيصة مثل «صرخة روح» أو «امرأة من رماد»، وأنا أحترم جدا الفنانة سوزان نجم الدين والفنان سعد مينة، لكن أن تظهر معه على الشاشة بشكل غير شرعي بالسرير ومغري فهذا خطأ، لأن التلفزيون يدخل البيوت دون استئذان، ونحن مجتمع شرقي له عاداته وتقاليده، إضافة إلى سلسلة من «صرخة روح» و«خواتم»، هناك مناظر فاضحة وخادشة للحياء، وغير مقبولة من قبلنا كشرقيين، كالعلاقة بين الحماة وزوج ابنتها أو شقيق الزوج وامرأة شقيقه، بالله متى كان المجتمع السوري بهذه الأخلاق.
هل من صحوة برأيك؟
٭ بالفعل بدأت شركات الإنتاج تصغي للنقد البناء، وكذلك المخرجين، وهم يعلمون بقراره أنفسهم أن هذا لا يعيشه المجتمع السوري، لكن لكل قاعدة لا بد من شواذ، وعلينا أن نرتقي بدرماتنا، لنعود بها وببلدنا إلى بر الأمان الذي كنا نعيشه.