- أوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على من مات ولم يقض دَينه.. ويستعيذ بالله من ضَلَع الدَّين
- الدَّين سبب لتعليق نفس المؤمن بعد الموت ولمنع الشهيد من دخول الجنة حتى يُقضى عنهما
حذر أستاذ كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت د.عبدالله بداح العجمي من خطر الدَّين الديني والدنيوي، وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من ضلع الدَّين كثيرا، مشيرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن الشهيد في سبيل الله يغفر له كل شيء إلا الدين، بل إنه امتنع عن الصلاة على من مات وعليه دين لم يقضه. وأوضح العجمي أن الشريعة الإسلامية أباحت التداين بين الناس، بل قد يكون مستحبا إذا كان فيه تفريج كربة مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»، وفي الوقت نفسه أشار إلى أهمية أن تكون الاستدانة في غير سرف ولا فساد، وفيما يرى طالب الدين أن ذمته تفي بما يستدينه، لما جاء في حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» رواه البخاري. «الأنباء» التقت العجمي لتحاوره عن أهم ما جاء في بحثه العلمي والشرعي الذي كان بعنوان «حقيقة الدين في الفقه الإسلامي»، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
بحثكم بعنوان «حقيقة الدين في الفـقه الإسلامي»، فـــهل قدمتم لنا تعـريفا موجزا للدين؟
للدين معنيان في اصطلاح الفقهاء، معنى عام ومعنى خاص، فالدين بمعناه العام عند الفقهاء يتناول كل ما يشغل ذمة الإنسان ويكون مطالبا بأدائه أو الوفاء به كأداء زكاة وجبت ببلوغ نصاب وحولان حول ولم تؤد، فهي دين في ذمة صاحب المال حتى يؤديها أو أداء صلاة لم تؤد في وقتها فتاركها مدين بها، وهي دين عليه حتى يؤديها، وكذلك أداء حج وجب عليه أو كفارة، وكوفاء المشتري بثمن المبيع أو المستأجر بأجرة الدار، والدين بهذا المعنى العام قد جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث منها ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: «نعم» قال: «فدين الله أحق أن يقضى».
أما المعنى الخاص للدين فقد أطلقه الفقهاء على الأموال فقط وقالوا في تعريفه «هو كل ما ثبت في الذمة من مال بسبب يقتضي ثبوته»، وبهذا المعنى يدخل في مسمى الدين كل ما لزم في الذمة من أموال سواء كانت بدلا عن شيء آخر كثمن مبيع وعوض عين مستأجرة وبدل قرض أم لم تكن بدلا عن شيء آخر كما في الزكاة ونفقة الزوجة والأقارب.
أسباب ثبوت الدين
لكن ما أسباب ثبوت الدين في الفقه الإسلامي؟
الدين كما سبق في تعريفه هو ثبوت حق مالي في ذمة الإنسان بسبب اقتضى ثبوته، مما يدل على أن هنالك أسبابا تؤدي إلى ثبوت الدين في الذمة، وأن الأصل براءة الإنسان من كل دين، وبالتتبع والاستقراء وجدت أن هنالك عدة أسباب تؤدي إلى انشغال الذمة بالدين لمن باشرها وأخذ بها وإليكم أهمها:
أولا: التصرفات المالية، حيث تعتبر التصرفات المالية من أهم وأقوى الأسباب المفضية إلى ثبوت الدين في ذمة من باشرها وأوجب بها حقا على نفسه، سواء أكانت هذه التصرفات عقودا تتم بإرادة عاقدين كالبيع والإجارة والقرض، أو كانت تصرفات تتم بإرادة منفردة كالوقف والجعالة وغيرها، ففي عقد البيع مثلا يثبت الثمن دينا في ذمة المشتري، ويصبح ملتزما بدفعه للبائع وفى عقد الإجارة تثبت الأجرة دينا في ذمة المستأجر ويصبح ملتزما بدفعها للمؤجر.
ثانيا: الغصب والإتلاف، ويعتبر الغصب وإتلاف مال الغير من أنواع الجنايات، فقد جاء في بدائع الصنائع «الجناية في الأصل نوعان: جناية على البهائم والجمادات، وجناية على الآدمي، أما الجناية على البهائم والجمادات فنوعان أيضا، غصب وإتلاف»، لذلك كانا من أسباب التعويض المالي عن الاعتداء على مال الغير أو حقه بالغصب أو بالإتلاف، ومال التعويض يثبت دينا في ذمة الغاصب أو المتلف حتى يؤديه إلى من يستحقه.
ثالثا: توافر الشروط في بعض الحقوق المالية، فإن من أسباب ثبوت الدين في الذمة توافر شروط في بعض الحقوق المالية، كالزكاة والنفقة مثلا.
حكمه الإباحة
ما حكم الاستدانة والتداين في الشريعة الإسلامية عموما؟
أباحت الشريعة الإسلامية التداين بين الناس، فقد قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين)، وقال جل شأنه (من بعد وصية يوصي بها أو دين)، مما يدل على جواز التداين وأنه أمر مباح، بل مستحب ومندوب إذا كان فيه تفريج كربة، وعون لطالبه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» رواه مسلم، لكن الفقهاء شرطوا لجواز التداين شرطين، هما الأول: أن يكون في غير سرف ولا فساد، والثاني: أن يرى طالب الدين أن ذمته تفي بما يستدينه، أما إذا كان التداين في سرف أو فساد أو تداين من يعلم أن ذمته لا تفي بما تداين به،
أو كان في هذا الدين خطر وضرر عليه في دينه، لأنه سيؤدي به إلى قصد استهلاك أموال الناس مع العجز عن سدادها والوفاء بها، وقد جاء في حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» رواه البخاري.
خطر الدين
ما خطر الدين على الإنسان في الشريعة الإسلامية؟
قد بين ذلك الخطر الديني والدنيوي أحاديث كثيرة صحت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد قسمتها إلى عدة نقاط،
أولا: امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على من مات وعليه دين لم يقضيه، وذلك فيما رواه الترمذي عن عبدالله بن أبى قتادة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل ليصلي عليه فقال: «صلوا على صاحبكم فإن عليه دينا»، قال أبو قتادة: هو عليَّ (أي الدين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بالوفاء» قال: بالوفاء، فصلى عليه.
ثانيا: نفس المؤمن بعد الموت معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه.رواه الترمذي،
وثالثا: الشهيد في سبيل الله يغفر له كل شيء إلا الدين، وذلك ما رواه الإمام مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين» رواه مسلم.
رابعا: الدين يمنع صاحبه من دخول الجنة حتى الشهيد، وذلك فيما رواه النسائي عن محمد بن جحش قال «كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته»، ثم قال: «سبحان الله ماذا نزل من التشديد؟» فسكتنا وفزعنا، فلما كان من الغد سألته: يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نزل؟ فقال: «والذي نفسي بيده، لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي، ثم قتل وعليه دين ـ ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه» رواه النسائي وحسنه الألباني.
وخامسا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من ضلع الدين، وذلك فيما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنـــت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا يقــــول «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال»، والمقصود بضلع الدين هو ثقله وشدته، وقال بعض السلف «ما دخل هم الدين قلبا إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه».