نعم، هل تعلمون أن العملة الكويتية هي بالفعل ملك متوج على جميع العملات في العالم؟ فهي أغلاها وأكثرها رصانة وأكثرها ضمانا، لأن حكومتها قد أصدرتها وتعهدتها منذ أكثر من خمسين عاما ومعترف بها في العالم.
وأذكر في هذه المناسبة أنني كنت سائحا في المكسيك، وكان دليل السياح في الباص مع نهاية الرحلة يطلب من الركاب أي عملات من بلدهم مقابل ان يدفع لهم دولارات لأن احد أبنائه قد دخل في سباق مع زملائه في المدرسة للحصول على جائزة لأكثر العملات غرابة وقيمة.
فتشت في جيوبي، وبالصدفة وجدت عملة كويتية قيمة دينار ونصف الدينار وبعض العملات المعدنية من فئة مائة فلس، وقررت التبرع بها له، وسألني عن المبلغ الذي يطلبه مقابل ما أعطيته، فقلت انها تعادل اربع دولارات ونصف الدولار تقريبا، ووقع الكلام عليه كالصاعقة، كيف تعطيني دينارا ونصف الدينار من عملتك وتطلب مني اربعة دولارات ونصف الدولار؟! فبينت له أن العملة الكويتية يعادل كل دينار منها نحو ثلاثة دولارات ونصف الدولار حسب سعر الصرف.
وقف الرجل متعجبا مما سمع، وتساءل: هل حقا توجد عملة في العالم اكبر من الدولار الاميركي؟! فأخبرته بأن هناك جنيها استرلينيا أكبر من الدولار كما أن اليورو أكبر من الدولار، كذلك الفرنك السويسري يقارب الدولار.
ولم يكن مصدقا لما اقول، فأخرج من جيبه عملة مزركشة وعليها صور حيوانات يتوسطها الفيل، وتعتبر اغرب عملة شكلا، وتصلح ان تكون لوحة فنية، ولكن قيمتها لا تعادل الدولار.
والظاهر ان من صمم عملتنا الجديدة قد توجه نحو مثل هذه العملات المزركشة ونسي أنها أعلى عملة في العالم، ولكن قيمتها لا تتعدى الدولار الأميركي، وكأن العملة الأميركية كانت بالنسبة له هي أغلى عملات العالم لما لأميركا من سمعة دولية ومكانة عالمية من التأثير على الأخطار واعتبارها هي فقط أغلى عملة في العالم.
على كلٍّ كانت هذه الحادثة مجالا للتعرف على الشخص، وكان إنسانا ظريفا وعزمني على العشاء في بيته، والظاهر انه قد اخبر اهل بيته واسرته عن اكتشافه لعملة جديدة من بلد صغير، ولكن قيمتها اكثر من الدولار الأميركي، وامضينا ليلة جميلة مع اسرته والكل يرغب في ان يرى هذه العملة العجيبة. وهذا الأمر بطبيعة الحال قد كلفني توزيع البعض المتبقي من دنانير في شنطتي وأخذ كل فرد يتلمسها ويعتبرها اغلى هدية حصل عليها في حياته.
أذكر هذه الحادثة وأنا مفجوع ومصدوم بهذه البهدلة التي نالت ملك العملات بإصدار الطبعة الجديدة التي تفتقر الى الرصانة والى الاصالة التي كسبتها عملتنا القديمة، خاصة تلك التي كانت تزينها صورة الأمراء السابقين، وكم كنت اتمنى لو ان العملة الجديدة قد صدرت وتحمل مناسبة اختيار صاحب السمو الأمير كأمير للإنسانية يعين الفقراء ويغيث الملهوفين باعتبارها جرعة من الثقة والأمل والمستقبل.
نعم، إن عملتنا القديمة تضمنت جميع هذه المعاني التي مسحها الإصدار الجديد من ناحية الشكل والموضوع والمطبعية وحتى الورق كأنه مصنوع من الخشب، لدرجة ان احد احفادي كان يلعب بورقة من فئة الدينار تسببت في شقوق بيده. لا اقول هذا الشيء الا لأنني بالفعل تألمت لصدور هذه العملة الممسوخة التي لا تعبر عن اي تاريخ لنا او اي مظهر من تاريخنا او ما يمثل تراثنا أو العابنا، لأن العملة هي سفير أي بلد للعالم ويجب ان تستحق كل الاحترام وكل التقدير من قبل من يراها، فهي لا تقل في نظري في اهميتها ورمزيتها عن علم البلد.
فقليل من التقدير لعملتنا العريقة ولتاريخها المجيد التي صمدت حتى لظلم الغزاة الذين حاولوا ان يزوروها ويتكسبوا منها ولكن قيمتها المعنوية واسرار طباعتها كشفتهم، ونسمع اليوم عن تزوير هذه العملة رغم ان العملة جديدة ولم تظهر الا منذ فترة قصيرة واخذنا نسمع عن عيوبها الكثير بما فيها قابليتها للتزوير.
انا اعلم ان هذه المحاولة من قبل مدير البنك المركزي الجديد ووزراء المالية الجدد بإصدار عملة مختلفة عما تعودنا عليه، ولكن اذكرهم بالمثل الكويتي القديم «عتيج الصوف ولا جديد البريسم» أي الحرير. فاعذروني ان كنت منفعلا بهذه المناسبة، ولكن تربطنا المحبة دائما بالكثير من امور الامة، ومحبتنا لعملتنا هي محبتنا لبلدنا، وعسى ان توفقوا في الطبعات الجديدة بأن تعيدوا لعملتنا رصانتها وجودتها وعراقتها وجمالها، ونتمنى لكم من الله التوفيق.