يؤكد التشخيص النفسي للشخص الإرهابي المستند إلى أهم المراجع العلمية للطب النفسي ونعني الـ DSM بإصداريه الثالث والخامس - أخذا في الحسبان التاريخ المرضي ونمط الشخصية قبل ارتكاب الجريمة - أن الإرهابي أو المهيأ للإرهاب يمتلك الشخصية العدوة للمجتمع أو بدرجة من درجاتها، فتجده فقيرا في العاطفة الإنسانية وقاسيا منذ طفولته، فهو يتمتع بتعذيب الحيوانات، ويكثر من إشعال النيران في ممتلكات جيرانه دون اعتبار للخطر على حيواتهم ولا على ما سيتسبب به من خسائر، بالإضافة إلى كونه متقلب المزاج ويمر بحالات متكررة من الاكتئاب.
وهو صعب المراس وعنيد، ولعل القراءة المتأنية لما أوردته إحدى القنوات العربية عن حياة مفجر مسجد الإمام الصادق تقودنا إلى استنتاجات مختلفه عما تعود المجتمع تصوير الإرهابي بها ومنها انه واقع تحت تأثير عمليات لغسيل الدماغ والإغراء بما سيلقاه في الجنة من نعيم وحور عين، فقد كشف التقرير عن فهم أدق لمفجر المسجد وكيف انه بعد أن قطع اكثر من ألف كيلومتر ليصل إلى مسجد الإمام الصادق وهو متأهب ومعد نفسيا لقتل «رافضة كفرة» واجه حقيقة مغايرة أمامه، فمن ينوي قتلهم وجدهم راكعين في صلاة يوم الجمعة ذات الخصوصية الشرعية، واقع كذب كفرهم بوضوح لكنه لم يجعله يتردد ولم تهتز قناعاته بل سحب فتيل حزامه الناسف وهو يكبر!
قناعات ثابتة كهذه لا تأتي بالتلقين، فلابد للوصول إليها أن تبدأ في عمر المراهقة أو دونها ضمن عمل احترافي طويل الأمد وعالي المهنية يتم خلاله انتقاء المستهدفين، بناء على دراسة لأنماط الشخصية من أصحاب الشخصية عدوة المجتمع psychopathic personality Disorder ثم يوجه صاحبها لقراءات واهتمامات وأفعال منافية للأعراف والقانون تنتهي بصقل وتأصيل هذه الشخصية الجامدة اللامبالية بالحياة لتخرج في النهاية هذا المجرم الذي فجر المسجد وظاهره أنه مستند على مبرر شرعي، ويكون قد لبى حاجتين غريزيتين في نفسه العدوانية هما قتل الغير للإضرار بالمجتمع وقتل الذات للهروب من تبعات جريمته على نفسه المريضة، وقد أجاز له من أرسله الجريمتين بل ووعده بجنان النعيم!
عامل آخر مهم يتدخل في قناعات الإرهابي هو تجميد فكره عند حالة مسلمي العصور الوسطى الذين عاشوا حينها في دار الإسلام التي لا حدود لها إلا ما وصل إليه التوسع الإسلامي وهي الفترة التي أفتى بها ابن العربي وغيره من شيوخ الأصولية الدينية بقتل الكافرين، ويخلق عنده معلموه الشعور بالظلم الذي يتعرض له الإسلام والاضطهاد من كل شعوب الأرض ويغذون عنده نظرية المؤامرة فكل من يخالفهم في فكرهم يحيك المؤامرات بالإسلام يريد إفناءه ! تسهم هذه المفاهيم المغلوطة التي يتقبلها بفكره المحدود بسهولة في دفعه للقيام بجرائمه ضد كل منطق وعقل.
[email protected]