في الحروب الطائفية يبلغ العنف بين الفرق المتقاتلة مدى عظيما من القسوة لم تكن موجودة بين المتقاتلين قبل نشوبها، ففي الحرب الباكستانية عام 1971 والتي استمرت 9 شهور قتل 3 ملايين شخص وسجلت 400 ألف حالة اغتصاب، أما في الحرب الرواندية 1994 والتي استمرت 100 يوم فقط فقد قتل فيها مليون شخص تقريبا.
دراسات الشر من العلوم الحديثة التي تلقى اهتماما كبيرا، وتوصل العلماء فيها الى ان الشر في الإنسان ينقسم الى نوعين رئيسين، الشر الفطري constitutional وينقل بواسطة الجينات وقد يكتسب بالتنشئة ويختلف عن الشرور التي تنجم عن اعتلال الشخصية، أما النوع الثاني فيرى فيمن يتحولون الى الشر لظروف طاغية وطارئة ثم يعودون لطبائعهم الخيرة يملؤهم ندم شديد الألم على ما اقترفوه ويسمى بالشر الظرفي circumstantial وفيه يسهل على البشر حتى الصالح منهم قتل وتعذيب الخصم في الحروب بشكل عام والنزاعات الطائفية بوجه خاص.
في دراسة فريدة من نوعها للعوامل المحفزة على العنف الطارئ لالبرت باندورا Albert Bandora تناولت اثر نزع إنسانية الضحية dehumanization في تكوين حالة الشر الظرفي circumstantial لدى الخصم، قام باندورا بإيهام مجموعة من طلبة إحدى الجامعات ان في الغرفة المجاورة مجموعة من الطلبة من جامعة أخرى يراد تعريضهم لجرعات منخفضة من الكهرباء تزداد تدريجيا لاختبار مدى تحملهم لهذه الصعقات، وقام بتقسيم الطلبة ممن سيقومون بالصعق الى 3 فرق، أوحى للفريق الأول ان متلقي الكهرباء أغبياء وان الحيوانات أذكى منهم dehumanization وللفريق الثاني قال ان المجموعة المزمع تعريضها للكهرباء من خيرة الطلاب المجتهدين (أنسنة humanization) ولم يقل شيئا للفريق الثالث.
وجاءت النتيجة ان الفريق الأول كان عنيفا مع مجموعته ولم يكترث لصراخ أفرادها من الألم، بينما كان الفريق الثاني شديد الحرص على ألا يؤذي مجموعة التجريب ويستجيب بسرعة بإيقاف الكهرباء عند صيحات الألم، أما الفريق الثالث فقد استخدم الكهرباء وفق الحدود العلمية ولم يتجاوزها.
من العوامل الأخرى التي تسهل تحول الإنسان المتزن إلى مجرم، تجريده من فرديته وحريته في اتخاذ القرار والتمسك برأيه deindividuation وتتداخل هنا عوامل عدة أهمها التنشئة على الطاعة المطلقة للسلطة كالأب والمعلم وشيخ الدين والسلطة السياسية او الإدارية.
وقد استخدم النازيون نزع إنسانية اليهود بإطلاق الألقاب المهينة عليهم فنشأت كراهية المجتمع الألماني لهم ورغبته في التخلص منهم وتلا هذا محرقة اليهود الشهيرة، ويتكرر هذا الإيحاء تجاه العرب منذ سنوات بوصمهم بالإرهابيين ليكتسبوا عداء الشعوب الغربية وهذا ما سيحدث قريبا وبالرغم من ان أبحاث اليوروبول أكدت ان العرب أقل المهاجرين ارتكابا للجرائم على امتداد أوروبا.
[email protected]