لا أعلم ان كان السادة القراء يتفقون معي في أن أحد أهم الأسباب التي تعوق أي عملية تنمية حقيقية وفاعلة على صعيد مؤسسات الدولة تتمثل في تفوق الولاء الفردي على حساب الولاء المؤسسي في الكثير من جهات الدولة، بمعنى أن أقدم ولائي كموظف للقائد على حساب ولائي للمؤسسة التي أعمل بها، وأنا هنا لا أقلل من أهمية الولاء الفردي وأثره المباشر أحيانا على إنتاجية الموظف في حدوده المقبولة والتي لا تتعارض مع مصلحة المؤسسة، إلا أن تزايد هذا النوع من الولاءات وتمددها أفقيا ورأسيا ساهم بشكل مباشر في تراجع هيبة مؤسسات الدولة حيث أصبح بعضنا لا يتورع في الإضرار بمصلحة وسمعة المؤسسة التي يعمل فيها وذلك بسبب ولائه المطلق لأحد قياداتها.
أما الأسباب التي أدت إلى تفوق الولاء للقائد على الولاء للمؤسسة فإنها تتلخص برأيي في نقطتين، الأولى أسس تعيين بعض القيادات والتي تنطلق من قاعدتين «درء المخاطر» و«المراضاة وتطييب الخواطر»، وكلتا القاعدتين في الاختيار ساهمت بشكل مباشر في تنامي الولاء الفردي بحكم أن أساس وطبيعة اختيار القيادي تمهد له الطريق وبكل أريحية أن يؤسس هو الآخر اختياره لفريق العمل وفقا لذات القواعد مع عدم التعميم بطبيعة الحال.
ومثال على ذلك مساهمة بعض القيادات بشكل مباشر في تضخم الهياكل التنظيمية لمؤسساتهم بفعل حرصهم على تسكين الأسماء عليها وليس المسميات، وهكذا تؤسس القواعد التي ينطلق منها الولاء له كقائد والذي يتنامى مع مرور الوقت ويتعاظم بفعل كرم هذا القائد بكل الاشكال والصور.
أما النقطة الثانية فهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأولى حيث إن تنامي الولاء الفردي لا يحده إلا تبني طائفة من القيم في القطاع الحكومي تهدف إلى شعور الموظف العام إنه جزء أصيل وفاعل متضامن ومتحد مع الادارة بهدف تحقيق غايات وأهداف المؤسسة.
إذن نحن بحاجة لمنظومة قيم نغرس من خلالها العديد من قيم العمل كالأمانة الوظيفية والنزاهة والذمة الوظيفية وغيرها من القيم التي نحتاج لترسيخها عند العاملين في الدولة وهذا ما يمكن تحقيقه عن طريق التدريب النوعي الذي يرتبط بتعزيز قيم وأخلاقيات العمل، وذلك ضمن إطار محدد يهدف إلى تفعيل منظومة القيم في بيئة العمل من أجل تعزيز الولاء المؤسسي عند العاملين وهذا يتوقف بالطبع على جدية أي مؤسسة ورغبتها الصادقة في تعزيز قيمة الولاء المؤسسي للعاملين لديها.
[email protected]