أمينة العلي
حولت ريموت التلفزيون إلى احدى المحطات الفضائية فشاهدت فيلما عن مصارعة الثيران وبعد التأمل ولدي شدني وأنا أشاهد هذه المناظر المؤلمة سألت نفسي من هو الوحش في هذا العالم هل هو الانسان أم الحيوان؟
ومن الذي يتلذذ ويستمتع بطعم الدم؟ ومن المخلوق الذي يقتل ليرتكب القتل فقط، ثم يقف فرحا مبتهجا فوق الجثة يسمع تصفيق شهود مصاصي الدماء ويرى بعينه من يؤيده وبعد ذلك يقبض ثمن فعله ويتوج بطلا؟ سرحت بأفكاري بعيدا وأخذت ألوم نفسي لماذا نحن نقتل الحيوان عندما نجوع ولا نجد ما نأكله غيره، أم وعندما يكون لدينا وقت لا نعرف كيف نصرفه فنحضر حيوانا ونفرغ كل عقدنا وكبتنا فيه؟
ألا تكفي الدماء المهدورة في الحروب والجرائم التي لا تنتهي؟ من يشاهد ما يجري في جنوب لبنان يكتشف كيف صار واقعنا محتقنا ومحتدما ومفتقدا للحوار ونجد أنفسنا في خضم حالة من الصراخ والاحتجاج وإلقاء الاتهامات من العمالة الى الخيانة، حتى بات من الصعب على الكثيرين ان يعبروا عن وجهة نظرهم الحقيقية خوفا من مقصلة الادانة.
المهم اننا أمام واقع عربي مشتت تتقاطع فيه المسؤوليات وتصطدم فيه الحسابات مما يهدد في النهاية بفقدان الأمن وهو ثمن فادح لأي مكسب آخر، بينما بيني وبين نفسي شبهت مصارعة الثيران بالوضع السياسي الراهن في الدول العربية لأن المشهد السياسي صار شديد التعقيد، بحيث لم يعد من الممكن مواجهته لا بالبحث ولا بالتنديد ولا بالمظاهرات ولا حتى بالمصارعة التي أشبهها بمصارعة الثيران، وقد وجدت نفسي أصاب بحالة من الاكتئاب ليس فقط لمشاهدتي مصارعة الثيران، بل لاستعراضي ما يجري في الوطن العربي كله من شجب وتنديد وكلها في النهاية لا تنجز شيئا واحدا عمليا على أرض الواقع.
الصراع السياسي في الوطن العربي شبيه بمصارعة الثيران، الشعوب في واد والدول في واد آخر ولكل منهما حساباته.
المهم اننا أمام واقع مأساوي مشتت تتقاطع فيه المسؤوليات وتصطدم فيه الحسابات مما يهدد في النهاية بفقدان أمتنا العربية ألا تكفي الدماء المهدورة في الحروب والجرائم؟ ولماذا هذا العطش للدم عند الانسان؟
لماذا لا يغدر بنا الحيوان اذا عاملناه برفق في حين نعامل نحن الحيوان برفق وندلله ونغذيه لكي نذبحه في النهاية؟
هل البطولة ان نهزم حيوانا مهما كان قويا أم البطولة ان نكسب الرهانات مع أنفسنا وأبناء جنسنا فتكون الحرب سواسية؟
ماذا يكون الآدمي في هذه الحياة؟ حيوانا أم انسانا، ضحية أم جلادا، أم شاهدا صامتا؟ هل يتألم الحيوان وهو يحتضر كما نتألم نحن البشر اذا ما طعنا بسكين وبقينا ساعات نصارع البقاء فقط من اجل البقاء.
صعب ان يكون ابن آدم انسانا وشاهدا على قتل أي شيء دون ان يهتز.. دون ان يرفض.. دون ان يحلم ويأمل بعالم بلا دم فيه.. عالم يسوده الأمن والأمان والطمأنينة والسلام.
الانسان حولنا أنواع، انسان كلب وانسان بلا ضمير وانسان مثل الثور ينطح دون هدف وانسان سمكة يريد ان يتنفس في الماء دون ان يرفع رأسه ليتنفس الهواء النقي وانسان حوت لا تعرف أوله من آخره.. اذن أين الانسان الانسان في عصرنا هذا؟