أمينة العلي
قرأت رواية للكاتبة العراقية سهيلة الحسيني، ملخص الرواية ان العمل السياسي في المشرق العربي اشبه بالتراجيديا او المأساة، ولكن الصراع في هذا العمل ليس قائما بين الانسان والقدر، او بين الانسان والآلهة، كما هو الشأن في التراجيديا اليونانية، ولكنه اولا وقبل كل شيء صراع بين الانسان والانسان وبين الانسان وقوى الظلم والاضطهاد، سواء كان هذا الاضطهاد من الخارج أو من الداخل ثم بين الانسان وما يمتلئ به رأسه من افكار وما يختبئ في اعماقه من رغبات وغرائز.
تسرد المؤلفة سهيلة الحسيني بقلم بارع وبأصالة المتمكنة في فنها، شأنها في كل المواقف، روايتها وفيها ان حازم وهو بطل الرواية يعتبر نموذجا للشباب الوطني الممتلئ غيرة على بلده وقوميته ولذلك كثيرا ما رأيناه في السجن قبل ثورة يوليو في العراق، بل رأيناه هناك ايضا بعد الثورة في بعض الفترات وذلك عندما تحول المجرى الحقيقي لهذه الثورة واصبح تيارا للبطش والاستبداد، وقد لقيت اسرة حازم الفقيرة، زوجته وابنه وبنته، كثيرا من المتاعب والآلام، وما كاد حازم يخرج من السجن في احدى المرات حتى انتقل بأسرته من المنطقة الفقيرة التي يقطن بها الى بغداد العاصمة بحثا عن العمل وهناك كبر ابنه واصبح نموذجا للشباب الجامعي الثائر تماما كما تعلم من ابيه حازم ولكن هذا الابن فوجئ بأسرته، وقد انتقلت من منطقتهم الشعبية الفقيرة الى حي راق ارستقراطي فيحيا هناك واسرته حياة الترف والنعمة ويظل هذا الانتقال من حياة الفقر الى حياة الثراء شغل الابن الشاب الذي راح يبحث عن السر الذي يختفي وراءه، واذ به وعن طريق الصدفة - كما بينتها الروائية الحسيني - يكتشف ان اباه حازم يعمل لصالح شبكة تجسس تحارب الوطن وتناوئ الشعب وحينئذ تقع الواقعة ويدور صراع عنيف في نفس الابن، صورته الروائية بقلم بارع وينتهي الابن الى الانضمام الى فصائل الفدائيين ويعود الى ابيه، حازم بطلا لقي مصرعه في احدى المعارك وبيده رسالة تعبر عن ذلك، وتكشف الحقيقة المرة ويكفر حازم عن خطاياه بالاعتراف لزوجته وابنته بما فعل، ثم يفقد عقله ويبقى في السرير حطاما ترعاه خطيبة ابنه، وتموت الام ويملأ الآلم حياة الاخت ولا يبقى هناك شعاع امل الا درب طويل تحاول ابنة حازم ان تكشف ما وراءه ولعله التضحية.
رواية مأساة هي فعلا مأساة ارادت الكاتبة ان تقول لنا انه يجب علينا دائما ان نكون على حذر من انفسنا، فليس بالماضي وحده يكون الحكم على الانسان، فالانسان دائما ماض وحاضر ومستقبل، نحن نقرأ القصة القصيرة والرواية الطويلة ونقضي معهما وقتا ممتعا ننتقل بين الاحداث ونشارك بعواطفنا وخيالنا فيما تعانيه شخصيات القصة او الرواية من ازمات او مواقف، ونحن بعد القراءة قد نخرج بشيء يزيد حياتنا ثراء او ينعكس على عقلنا ذكاء وعلى انفسنا خبرة وقد لا نخرج بشيء الا تلك الساعات التي قد قضيناها في قراءة ممتعة لذيذة لاننا لم نستطع ان ندخل الى اعماق الكاتب ولم نعرف ماذا يريد ان يقول.
اضاءة
من لا يعرف معنى الوفاء في الحب يقرأ ما كتبت، اعتقد انكم تعرفون قصة «تاج محل» الذي يعتبر احدى عجائب الدنيا السبع، والذي يقوم في مدينة «اجرا» بالهند، وهو يعد عنوانا للوفاء في الحب ولكن لعلكم لا تعرفون ان هذا الاثر الباقي هو ايضا دليل على ان الناس يقدرون وفاء الانسان في حبه حتى وان كانوا من اعدائه، وتفسير ذلك كما قرأته في احد الكتب عن قصة تاج محل هو انه بعد وفاة الزوجة المحبوبة «محل» واقامة ذلك القبر الفخم لها بعد ذلك بسنتين ثار شعب الهند على زوجها «تاج» لان ميوله الفنية كانت تلهيه عن حل مشاكل شعبه، بالاضافة الى انه ينفق عليها الكثير مما كان يجب ان ينفقه على مصالح شعبه.
وقاوم «تاج» اولئك الثائرين عليه ولكنه انهزم في النهاية ولقي مصرعه، ونصب الثائرون ابنه خليفة له ورغم انهم دمروا الكثير من آثاره، الا انهم عند ذلك الأثر العظيم توقفوا ولم يملكوا الا ان يشعروا بالاحترام لكل ما يعبر عنه من خلق نبيل، وبالتالي قرروا ان يحافظوا عليه واحاطوه بكل ما يحتاج اليه من عناية واهتمام كان لهما اكبر الفضل في محافظة الاجيال عليه، وعجبا لهذا الوفاء في الحب.