أمينة العلي
هناك فارق كبير بين دعوة المرأة الى الصمود حتى لا تفقد أعصابها وهي تمر بهذه الأحداث المثيرة للشفقة نطلب من المرأة ألا تسلم للرجال السلاح الخبيث الذي يمكن به ان يحاربوا قضيتها متعللين بعجزها عن نجاحها في الوصول الى البرلمان معلنين فشلها في هذا الميدان، وبين الاستسلام الذي قد يلتبس معناه بدعوتنا.
الصمود يعني ان تتحمل المرأة وان تنظم حياتها بأفضل طريقة تمكنها من أداء واجباتها المختلفة بأكبر قدر من الأعصاب الهادئة، ولكن دون ان تتصرف أو تتحدث بما يمكن ان يفهم منه انها راضية عن موقف الرجل منها وتقاعسه عن التعاون معها وعن تناقض فكره وتصرفه ازاء تيار تطورها، ودون ان تفقد الأمل في علاج حاله وفي اقناعه بأن مركب الحياة يحتاج الى مجدافي تعاونهما الفكري والعملي.
اما الاستسلام فهو أن ترضخ المرأة تماما وان تقبل التضحية الى ما لا نهاية، مرددة بينها وبين نفسها انه لا جدوى من العلاج والاصلاح لأنها ما دامت اختارت هذا الطريق الصعب فعليها ان تتحمل كل مشاقه ولو كانت ضغطا رهيبا على أعصابها يمكن ان يجعلها في أي لحظة من اللحظات تنفجر فتدمر كل شيء.
استسلام المرأة للوضع الحالي دون اعتراض من شأنه ان يعرقل قضيتها وان ينحرف بها عن مسارها وهدفها.
فالمرأة لم تكافح طوال هذه السنين ولم تتقبل العناء والتضحيات ليظل الرجل في النهاية بعيدا عن فهمها والاقتناع بمكاسبها والتخلي عن معونتها، والا تكون هي قد تحملت كل المشاق وحدها، اما الرجل (سي السيد) فلم يقبل الا ما عاد عليه بالفائدة فوجد في المرأة متنفسا له سواء على الصعيد المادي أو العاطفي.
وفي الوقت نفسه ظل «سي السيد» هو السيد الذي يعود من عمله لينهى ويأمر ويطالب بجميع حقوقه ويملأ الدنيا بصراخ الشكوى اذا بدا من الزوجة المجهدة المرهقة بعض التراخي أو القصور.
وقد يبدو للبعض ان سياسة الصمود لا تحقق نجاحا ملموسا وانها في نهاية الأمر تبدو وكأنها الاستسلام وهذه هي المغالطة لأن الصمود قد لا يؤتي ثماره بسرعة، ولكن بمرور الوقت يترك بصمات واضحة ويعبر بالكثير من عثرات الطريق ويجعل الرؤية أوضح، معظم النساء يعتقدن ان جزءا كبيرا من مشاكلهن يرجع الى استغراقهن في الاحساس بالظلم، كما ان المرأة تقضي وقتا طويلا أكثر من اللازم في التفكير في العبء الكبير الملقى على عاتقها وفي المجهود الخارق الذي تبذله من اجل التوفيق بين عملها وبيتها، انها تبدأ يومها وسط زحام الأفكار، وقد خاضت المرأة من قبل الكثير من المعارك من اجل الحصول على بعض حقوقها، فصمدت للتيارات الرجعية التي حاربتها ويوم أصرت على ان تكمل مشوارها وتطالب بنيل جزء من حقوقها السياسية وتصدت لشائعات السوء ولم تتراجع عن مبادئها، انتصرت لإيمانها بالمبدأ ثم طرقت بثبات أبواب الأمل في ان تنال حقوقها وواجهت الحملات المسعورة ضدها، ولكن المرأة خلال تلك المراحل من معركتها وضعت الهدف نصب عينيها واعتبرت كل ما تلقاه من عناء نفسي ضريبة لابد من ان تتحمل دفعها حتى تخرج ظافرة ولا يشمت البعض فيها ومن أجل ألا يتهموها بالعجز وبالفشل.