أمينة العلي
إذا كان صحيحا ان الأبناء يخطئون فإن الآباء أيضا ليسوا معصومين من الخطأ بل ان أخطاءهم أعمق تأثيرا وأشد خطورة.
كثيرا ما نلقي اللوم كله على الأبناء ونحملهم الأخطاء ما يجعلهم دائما داخل قفص الاتهام، وهو حكم يجانبه الصواب في بعض الأحيان ويدل على تحيز للآباء في الخطأ وتلمس الأعذار لهم في كل ما يقدمون عليه من سلوك أو تصرف إزاء الأبناء بينما نحن حين نضيق الحصار حولهم ونقول انهم مستهترون وهم أنانيون ولاهون عن مسؤوليات المستقبل وهم مقلدون يجرون وراء الفكر والمظهر المستورد من الخارج دون أدنى محاولة منهم لبلورة شخصيتهم لتكون لهم شخصية مستقلة ينفردون بها أمام شباب العالم.. نحن لا نزعم ان أبناءنا من الشباب بريئون كل البراءة من هذه الاتهامات ولكننا أيضا نحن الآباء والأمهات لسنا معصومين من الأخطاء، بل إن أخطاءنا أعمق تأثيرا وأشد خطورة عليهم.
استمعت الى قصة أم لها ابنة وحيدة في سن المراهقة، تعترف الأم بأن ابنتها لم تسبب لها أي متاعب أو مشاكل فقد كانت دائما رقيقة ومطيعة ومهذبة ومتفوقة في دراستها، ورغم ما وهبها الله عز وجل من جمال جذب إليها نظر الشباب، سألت الأم أين هي المشكلة إذن؟ بنتك تبدو فتاة مثالية تتمناها كل أم ردت الأم علي قائلة كنت امنح ابنتي بعض الحريات ولكن في حدود المعقول ولم أكن أضع قيودا على محادثاتها بالتلفون فهي تملك جهاز تلفون نقال خاصا بها ولكنني كنت حريصة كل الحرص على ان أعرف من ابنتي كل شيء عن صديقاتها لخوفي الشديد عليها.
وكانت ابنتي تعمل دائما على ان تطمئنني بسلوكها الواضح ولكن فجأة بدأت ألاحظ عليها ميلها الى الاختلاء بنفسها وكثرة محادثاتها بالتلفون وهكذا أخذت الشكوك تساورني ولم أعد احتمل صبرا فقررت ان ابحث وراءها بنفسي وبطريقتي الخاصة وجدت قصاصات أوراق كتب فيها خواطر وذكريات وقرأت ما كتب، كانت التعبيرات غامضة عن الأحلام والأمل والمجهول واعتقدت انني عثرت على المفتاح واخذت أشدد الرقابة عليها وافرض القيود لأنني ذات مرة قرأت عبارات لم تعجبني وواجهتها بما قرأت فقاطعتني ابنتي الصغيرة قائلة ظننتك تثقين بي، ليس من حقك ان تطلعي على ما يخصني، إنها مجرد خواطر وأحاسيس من حقي ان أحس وان اكتب وان تكون لي أسراري الخاصة بيني وبين نفسي وان أضمن ان أحدا لا يمكن ان يطلع عليها حتى انت يا أمي..
لقد تغيرت ابنتي منذ ذلك اليوم تماما وتغيرت علاقتها بي انطوت على نفسها ولم تعد تحدثني إلا للضرورة قلت لتلك الأم ان الأم التي تفهم أصول التربية الحديثة تستطيع ان تلم بكل أحوال ابنتها عن طريق صداقتها وكسب ثقتها ومراقبتها بحكمة ورفق وحمايتها من أخطار الطريق دون ضغط أو قهر أو تجسس وذلك بأن تتجاهل ما حدث وان تتعامل مع ابنتها بطريقة جديدة تشعرها بأن ما حدث كان أمرا عارضا وانها مثل أي أم مازالت تثق بها وتحترم رغبتها في السرية أحيانا ولكن في حدود المعقول.