لقد وضع الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري رودهام كلينتون ضمن قائمة أولوياتهما اعادة تنشيط علاقات اميركا مع جميع الدول في ارجاء العالم، ودأبا على بذل أقصى الجهود لتقوية الشراكات القائمة والعمل على بناء شركات جديدة لمواجهة التحديات المشتركة، ابتداء من تغير المناخ مرورا بالقضاء على خطر الأسلحة النووية ووصولا الى مكافحة الأمراض والفقر. وبصفتي سفيرة للولايات المتحدة لدى الكويت، فإنني أفتخر بأن أكون جزءا من هذه الجهود، فالولايات المتحدة والكويت تتمتعان بشراكة قوية وراسخة تقوم على الثقة المتبادلة والقيم المشتركة، وعلى مدار ربع قرن تقريبا، كانت لنا رؤى مشتركة حول الأمن والسلام الإقليميين، يدعم تلك الرؤى إخلاصنا المشترك للقيم الديموقراطية وتحقيق الازدهار الاقتصادي، فنحن على دراية بطبيعة الحياة الديموقراطية المفعمة في الكويت والتي قد تتحول في بعض الأحيان الى حراك صاخب، كما ان علاقاتنا التجارية وكذلك علاقاتنا في مجال الطاقة مستقرة، فهي علاقات متبادلة، قديمة وتعود بالنفع على كلتا الدولتين.
ولقد تشرفت بالعمل على تقوية وتوسيع صداقاتنا وتحالفاتنا، كما أنني ممتنة للمساندة الرائعة التي لمستها من جانب الحكومة الكويتية والشعب الكويتي.
وبطبيعة الحال، فإن العلاقات المتينة قد تتعرض بين الحين والآخر لفترات من الازدهار وأخرى من الهبوط، وهذا ما حدث في الأيام القليلة الماضية عند زعم البعض ان هناك وثائق تم تنزيلها من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بوزارة الدفاع الأميركية وأصبحت موضوعا تتناوله تقارير وسائل الإعلام، وعلى ما يبدو فإن تلك الوثائق تحتوي على تقييمات ديبلوماسيينا للسياسات، والمفاوضات، وللزعماء في دول بجميع أنحاء العالم، بالاضافة الى تقارير عن حوارات سرية مع أشخاص من داخل أو خارج حكومات دول أخرى.
وانني لا أستطيع ان أجزم بمدى صحة اي من تلك الوثائق، ولكنني أستطيع القول ان الولايات المتحدة تأسف بشدة للكشف عن اي من تلك المعلومات التي كان المفروض ان تكون سرية، ونندد بذلك، فالديبلوماسيون يجب ان يشاركوا في مناقشات صريحة مع زملائهم، ويجب ان يطمئنوا الى ان تلك المناقشات ستبقى مناقشات خاصة وغير علنية، فالحوار الصريح ـ داخل كل حكومة من الحكومات وفيما بينها ـ هو جزء من اتفاقنا الأساسي حول العلاقات الدولية، واننا لا نستطيع الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار الدولي من دون ذلك، وانني متأكدة من ان سفراء الكويت لدى الولايات المتحدة سيقولون الشيء نفسه، وهم أيضا يعتمدون على مدى قدرتهم لتبادل الآراء الصريحة مع نظرائهم في واشنطن وان يبعثوا لدولهم بتقييماتهم عن زعماء أميركا وسياساتها وأفعالها، وانطلاقا من المقولة القائلة ان «صديقك من صدقك»، فإننا نثمن كثيرا محادثاتنا مع أصدقائنا وحلفائنا، وعلى عكس ما قد يتوقعه او يراه البعض فإن الولايات المتحدة لا تتكلم من منطلق ادعاء الكمال، فنحن ندرك تماما عيوبنا بل ونعمل على معالجتها، وفي كثير من الأحيان نوجه الكثير من الانتقاد الشديد لأنفسنا، الا اننا نحترم ونرحب بل ونحتفي بالمناقشات المنفتحة التي تأخذ مكانا في ثقافة الديوانية الكويتية، وكذلك التبادل المعلوماتي الحر نسبيا في الكويت، اننا نحترم ونؤمن بشدة بضرورة السرية في محادثاتنا الرسمية، وعلى وجه الخصوص المواضيع الحساسة المتداولة منها، ويعد هذا من التحديات العظيمة في ظل بيئة عالمية يزداد فيها التواصل وتغلب عليها الشفافية في بعض الأحيان.
وفي اعتقادي ان أصحاب النوايا الحسنة يدركون ان التقارير الديبلوماسية الداخلية لا تمثل السياسة الخارجية الرسمية للحكومة، وهذه التقارير في الولايات المتحدة، هي عنصر من عناصر عديدة تشكل سياساتنا، التي يحددها الرئيس ووزير الخارجية في نهاية المطاف، وتلك السياسات موضوع تحتويه السجلات العامة، وموضوع لآلاف الصفحات من الخطب والبيانات والأوراق والوثائق الأخرى التي تجعلها وزارة الخارجية متاحة مجانا على شبكة الإنترنت وفي مواقع أخرى.
لكن العلاقات بين الحكومات ليست الموضوع الوحيد المثير للقلق، فالديبلوماسيون الأميركيون يلتقون مع العاملين على المستوى المحلي في مجال حقوق الانسان، والصحافيين، ورجال الدين، وأشخاص آخرين من خارج الحكومة الذين يقدمون آراءهم ووجهات نظرهم الخاصة بصراحة، وهذه الحوارات تعتمد على الثقة والسرية أيضا. وأصحاب موقع «ويكيليكس» الالكتروني يدعون انهم يمتلكون حوالي 250 ألف وثيقة سرية، نشروا العديد منها في وسائل الإعلام، وأيا كانت الدوافع وراء نشر تلك الوثائق، فمن الواضح انه يمثل تهديدا وخطرا على أشخاص حقيقيين، وفي أغلب الأحيان على أشخاص معينين ممن كرسوا حياتهم من أجل حماية الآخرين، فقد يؤدي عمل قُصد به استفزاز القوي الى ايقاع الضعفاء في الخطر، اننا ندعم، ولدينا الرغبة في اجراء حوارات حقيقية حول الأسئلة الملحة المتعلقة بالسياسة العامة، لكن نشر الوثائق باستخفاف ومن دون تبصّر بالعواقب ليس هو الوسيلة الصحيحة لبدء هذا الحوار.
ومن جانبنا، فإن حكومة الولايات المتحدة ملتزمة بالحفاظ على أمن اتصالاتنا الديبلوماسية، وهي بصدد اتخاذ خطوات لضمان ان تظل محتفظة بسريتها، وإننا نتحرك بكل قوة من أجل التأكد من ان تلك الخروقات لن تتكرر مرة أخرى، اننا نتطلع دوما الى ابقاء الكويت واحدة من أصدقائنا وحلفائنا وشركائنا الرئيسيين، وواحدة من أبرز محاورينا الأساسيين في القضايا الإقليمية، كما ننظر للكويت كبلد تهمنا مشورتها للمساهمة بإيجابية في جهودنا الرامية الى تنمية الحلول الاقليمية لمشاكل المنطقة، واننا لا نقبل بأقل من تلك العلاقة المتميزة، وستقوم السفارة بالتواصل عن كثب مع شركائنا في وزارة الخارجية في الكويت لضمان اننا سنواصل التركيز على القضايا والمهام التي بين أيدينا، وان الرئيس أوباما، ووزيرة الخارجية كلينتون، وأنا شخصيا سنظل على التزامنا بأن نبقى شركاء يمكن الوثوق بهم، فيما نسعى من أجل بناء عالم أفضل وأكثر ازدهارا للجميع.