من قصص الممارسات السياسية في الكويت وخلال إحدى مناسبات التأزيم المزمن – قبل الغزو - انسحبت مجموعة من النواب من الجلسة، وانسحب معها نائب معروف بموقفه المؤيد للحكومة في تلك الفترة، فوجئ المتابعون به وهو يخرج وعندما سألوه قال: «شوفوا باكر الصور في الصحافة، من اللي يطلع بطل» وهذا ما حدث بالفعل، إذ تحول صاحبنا الى بطل يتصدر الصفحات الأولى، ولايزال الحال كذلك فالصور والفلاشات هي من نصيب المؤزمين، وإذا كان الحال قبل الغزو يقتصر على ثلاث صحف تلمع المؤزم فهي اليوم تتجاوز العشر ومعها بضع قنوات إعلامية، وحدث أن سمع ابن عم أحد المؤزمين كلام إعجاب به من قبل أشخاص يجلسون بقربه في مطعم، فقال لهم: «أنا فلان الفلاني، ابن عم فلان مباشرة، والله لو تعرفونه عدل ما صورتوه بهالصورة، ما عنده منطق وإذا شفت صوره أتعجب، هذا فلان؟ عمره ما قال كلمتين عدلين «لا تصدقون الصحف، والله حالة».
أذكر عندما حدث عدوان عراقي على منطقة الصامتة عام 1973 أنه تم تطبيق التجنيد «غير الإلزامي»، كان مدرب مجموعتنا عريفا جديدا في الخدمة العسكرية واسمه «زبن»، كان يلتفت باستمرار نحو المجموعة المجاورة التي يدربها عريف آخر أكثر منه خبرة ويكرر نفس الإيعازات العسكرية التي يقولها زميله، ونحن ننفذ، وعندما حصلت مخالفة من بعض أفراد الفريق الآخر وقرر عريفهم معاقبتهم بالزحف صارخا «خذ الأرض... زحف الى نهاية الميدان» عندئذ التفت زبن نحونا، وأخذ نفسا عميقا ليصرخ، فناداه بعضنا قائلا «لأ.. لأ يا زبن، هم غير» ولكنه أطلق إيعاز العقاب، بالتقليد، وهذا هو ما يحدث اليوم بالضبط من قبل شباب يتابع ما يحدث في اليمن وسورية وليبيا، ويستخدم نفس التعبيرات اليمنية والليبية «زنقة.. زنقة» في واحدة من أغرب المشاهد التي مرت على الكويت.
نحن فعلا في مرحلة فلكلورية، يسودها عدم شعور بعض النواب بالمسؤولية تجاه بلدهم الذي أتاح لهم وسائل التغيير وجميع فرص التعبير عبر قنوات دستورية وقانونية ولكن الصحافة لا تنقل خبرا عن «كلب عض رجلا» بقدر ما تنقل حرق صورة رئيس الوزراء وربما أسوأ من ذلك تحت سمع وبصر نواب هم زملاء له في مؤسسة تشريعية!
كلمة أخيرة:
العمق الاستراتيجي لدولة مثل بريطانيا أو الهند في ممارسة التصعيد السياسي يختلف عنه في الكويت التي تعتبرها دول الجوار محطة للتأثير في دول المنطقة، وهي سهلة الاختراق تماما، يكفي موضوع الشماغ لفتح مساءلة سياسية على خلفية طائفية..الخ، هذه الهشاشة لن توقف المندفعين عن تصرفات تهدد حاضر ومستقبل الكويت، بكل أسف، ما جعل أحد الزملاء يردد قول الله تعالى (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل).
ثم تابع الزميل «كوادر وظيفية لا تتوقف، ومجانية في الخدمات، وعيش رغد يحلم ويتمنى الغاضبون في بلاد عربية بجزء يسير منه، ثم نسمع عبارات يستحقها غيرنا تقال عن بلدنا! هذا والله الفسق».. بكسر الفاء وفتح السين والقاف معجمة، وهي تعني الشبعان الذي يتذمر من نقص الطعام رغم وفرته.
[email protected]