فيصل الزامل
وصف نائب الرئيس الأميركي «جوزيف بايدن» ڤيروس انفلونزا الخنازير: (إذا كنت في طائرة وعطس شخص من آخر مقعد فيها فإن التأثير ينتشر بسرعة في سائر أرجاء الطائرة عبر نظام التكييف) بعدها حاول البيت الأبيض التخفيف من حدة هذا التصريح، إلا أن الهلع اجتاح العالم لأسباب كثيرة، أهمها التأخر في اكتشاف المصل المضاد لهذا الڤيروس الذي قتل حتى الآن 176 شخصا في المكسيك وحدها، وتتوقع الحكومة البريطانية أن الفشل في مواجهة هذا المرض سيحوله إلى وباء قد يقضي على 750 ألف إنسان في بريطانيا وحدها، ويتسبب في انهيار البنى التحتية للمستشفيات ويدخل الأطباء في دوامة العمل بلا توقف تقريبا.
لقد عاش العالم تجربة مماثلة سنة 1918 عندما انتشر الطاعون وسمى أجدادنا تلك السنة بـ «سنة الرحمة» والتي انتشر فيها أيضا ڤيروس الانفلونزا، وذهبت أرواح كثيرة بسبب عدم وجود لقاحات مضادة رغم بساطة الڤيروس في تلك الفترة، وفي الكويت كان الناس يغلقون بيوتهم عليهم، وبعضهم بنى حائطا من الطين حتى لا يفتح الباب أحد ولو بالخطأ، واكتفوا بالتمر والماء من بئر في المنزل حتى انجلت تلك الغمة بعد أن اختفت بسببها أسر بأكملها، مثل عائلة بن رزق، وغيرها، حسبما نسمع، ويسرني أن يخبرني أحد بخطأ هذه المعلومة عن هذه العائلة، أو صوابها عن غيرها.
صحيح أن الذعر الزائد غير مقبول ولكن حجم المشكلة كبير حتى الآن، شخص واحد يمكن أن ينقلها إلى بلد كامل، وقد جاء في الحديث الشريف «لا يوردن ممرض على مصح» وهو إجراء تقتضيه الضرورة التي قال عنها النبي ( صلى الله عليه وسلم ): «إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تدخلوه، وإذا كنتم فيه فلا تخرجوا منه» وعندما عمل بهذا الحديث الخليفة عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) وهو على أبواب دمشق المصابة بطاعون عمواس، قال له أبو عبيدة بن الجراح، ولم يكن قد سمع بالحديث «أفراراً من قضاء الله يا أمير المؤمنين؟» فقال له عمر «لو قالها غيرك يا أبا عبيدة، إنا نفر من قضاء الله إلى قضاء الله» فأخبرهما رجل من الصحابة بالحديث المانع لدخول البلد المصاب، ولم يكن الاثنان قد سمعا به، وهي إحدى موافقات الفاروق ( رضي الله عنه ) للهدي السماوي الكريم.
صحيح أن الاحتمال الثاني بالنسبة لهذا المرض هو أن تتم السيطرة عليه، وهو ما يسعى العالم المتقدم للوصول إليه، إلا أن ذلك لا يمنع من الاستمرار في تطوير نظام طوارئ نحتاج إليه سواء للأوضاع الصحية أو الأمنية، وقد استفادت دول كثيرة هذه الأيام من خبرتها في التعامل مع مرض السارس، الأمر الذي يتطلب من الدوائر المختصة في الكويت ودول الخليج تبادل المعلومات والخبرات لتطوير خطط الطوارئ في منطقة لا تكاد تخرج من إشكال حتى تتعرض لغيره.
الغريب في التناول الإعلامي لهذا المرض حرص إسرائيل لأسباب دينية على تغيير اسم المرض، بالرغم من تحريم ديانتها لأكل لحم الخنزير إلا أنها حرصت على عدم تداول اسم الخنزير مرتبطا بالمرض رغم أنها حقيقة ولا أعرف الدوافع المباشرة وغير المباشرة لهذا الحرص!
كلمة أخيرة:
حرم عمر رضي الله عنه على نفسه أكل اللحم عام الرمادة حتى يأكله الناس، فلما وجد رائحة شواء اللحم في بيته قال (ما أظن أحدا من أهلي قد اجترأ علي) ثم علم أنها لابنه عبيدالله قد وضعها أهله في التنور بغير علمه، فقام الابن يعتذر إلى أبيه «استرني سترك الله، فوالله ما كانت بعلمي»... إنها مسؤولية مضاعفة في أوقات الأزمات والمحن، وقد كان لهذا البيت منها النصيب الأكبر.