فيصل الزامل
انخفاض عدد النواب الإسلاميين لم يشمل أبرز رموز هذه الفئة من التيارين السلفي والاخوان المسلمين وحتى المستقلين منهم، في الوقت الذي خسر فيه رمز مثل الأخ عبدالله النيباري ولم يستفد من عدم ترشح الأخ محمد الصقر على النحو المتوقع، إضافة إلى خسارة الأخ محمد العبدالجادر مع وضوح أطروحاته لصالح مجموعة المنبر، الأمر الذي يتطلب تحليلا أكثر واقعية لما حدث بالنظر إلى أن الفوز الجماعي للسيدات الأربع قد أضفى طابعا جير لصالح تضخيم خسارة عدد من مرشحي التيار الإسلامي، وهو تفكير تقوده الميول أكثر من العقول.
الطرح «الإسلامي/ السياسي» يحتاج إلى مراجعة مثلما يحتاجها غيره، فهو يفتقر إلى التنسيق من الناحية العملية، وأهم من ذلك يلزم أن يكون مميزا عن غيره بالنظر إلى استناده ـ حسبما يجب ـ إلى المرتكز الديني في مواقفه، بما يقلل من الانتهازية ويزيد من الشفافية في تحديد الموقف من أي قضية، فليس مقبولا أن تتفاوت المواقف بحسب المناطق من المنظور الديني كما حدث في أكثر من قضية، وليس مفهوما أسلوب التعاطي مع واجب النصيحة لولي الأمر وفق معطيات مدرسة نقابية غريبة المنشأ، إن للتميز قيمة كبيرة يجب أن تحمل لنا ميزات الطرح الإسلامي الشفاف، هذا الطرح قد يضحي بانتصارات (...) قصيرة كأن يتبنى مرشحا آخر في منطقة من المناطق، فالهدف هو إيصال العناصر الجيدة بمعايير القدرة المهنية والأمانة الشخصية، وقد تمتد التضحيات إلى مناسبات أخرى أكثر إيلاما، ومن يمتدح التجربة التركية لأردوغان وحزبه عليه أن يتذكر أنهم رفضوا هناك الانزلاق إلى مصادمات وتجاهلوا مظاهرات تحريضية ضدهم، بل وتعرض أفراد منهم للاغتيال من أجل أن ينزلقوا إلى صدام دموي ينفي عنهم صفة المسؤولية تجاه أمن المجتمع التركي، وقد نجحوا في تفادي ذلك التحدي باقتدار، وهو أمر قدره الناخب التركي لهم بقوة في السنوات الست الماضية.
الساحة السياسية في الكويت اليوم بحاجة إلى حركة تصحيحية للأداء السابق، وهو مجهود يتطلب تشاركا من سائر التيارات، فالموضوع يتجاوز خسارة مقعدين اليوم والفوز بثلاثة غدا، نحن أمام استحقاق وطني طويل الأجل، وهذه الشهادات العالية التي يحملها عدد كبير من النواب الحاليين تفرض إسهاما فاعلا لتغيير تلك الثقافة المكلفة جدا، وسنكون جميعا خاسرين إذا تحولت تلك الشهادات إلى «تابع مرتهن» للممارسات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من جانبي السلطة، هذه المراجعة ليست ميدانا استعراضيا لاتجاه بعينه، وهنا تبرز بقوة مسألة التضحية بالذات المتورمة، لصالح الشفافية والصدقية التي لن تخفى عن أعين الناس في بلد صغير كالكويت.
كلمة أخيرة:
قال عمر لابن عباس رضي الله عنهم: «أريد أن أستعملك على حمص، وفي نفسي شيء لم أره منك، ولكني أخشاه عليك في العمل» قال: «فإني لا أعمل لك عملا حتى تخبرني بما في نفسك» قال: «وما تريد من ذلك؟»، قال ابن عباس: «إن كنت بريئا عرفت ذلك، وإن كنت أخشى على نفسي كففت، فقلما رأيتك ظننت شيئا إلا كان كما ظننت» قال عمر: «إني خشيت أن يأتي إليك الفيء فيقال «هلم إليكم دون غيركم» وإني رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استعمل الناس وترككم» قال: «ولم تراه فعل ذلك؟» قال: «والله ما أدري، أصرفكم عن العمل ورفعكم عنه، أم خشي ان تعاونوا لمكانكم منه فيقع العتاب عليكم، ولابد من عتاب، فما رأيك؟» قال ابن عباس: «لا أرى أن أعمل لك» قال: «أشر علي» قال: «أشير عليك أن تستعمل صحيحا منك، صحيحا عليك»، أي مؤتمنا لديك، جريئا في الحق أمامك.