فيصل الزامل
«و.. الحين.. خل نجرب.. الدائرة الواحدة.. يا شباب» بهذا المنطق يتعامل البعض مع قضايانا المصيرية، بقصر نظر لا يحسد عليه، فالذي يتحمس لها من منطلق فئوي بحت، ويعتقد أنه بذلك سيجمع الأصوات المشتتة لفئته في مختلف المناطق يغفل، أو يجهل، أنه لكل فعل رد فعل، وأن الطرف الآخر سيتحرك على أساس فئوي ويتجاوز الفوارق مع خصومه الأقربين، من أجل أن يهزم «الآخر» وذلك باستخدام منطق «أنا وابن عمي على الغريب».. إلخ، هذه العبثية، إلى أين ستوصلنا؟
لقد خضعت الكويت واستجابت للصراخ في مسرحية «نبيها خمس» ثم صرخوا أكثر، ولكن هذه المرة بالشكوى من الخمس، وهاهو صراخهم اليوم يعود من جديد مدويا «نبيها واحدة»... وبعدين، وتاليها معاكم؟
أعرف صديقا يقول «عندي شخص مخسبق، كلما أردت أن أعرف الصواب في مسألة، أستشيره، ثم أخالف رأيه، فالصواب دائما يكون في الاتجاه المخالف لرأيه» وهذا بلا شك حالنا مع هؤلاء.
خذ مسألة تعديل اللائحة لتمكين وزير من التحدث نيابة عن زميله في جلسة الاستجواب، هذا الأمر ينسجم مع مبدأ التضامن الوزاري، ويتطابق مع مبدأ المسؤولية السياسية التي قد لا تقف عند حدود الجانب الإداري محل الاستجواب، ومع ذلك اعترض شخصان «أسماهما مكرران» ولكنهما يمثلان الأغلبية في حسابات ديموقراطية الكويت العجيبة (تتابعهما قلة لأهداف مرحلية، للمشاركة في الغنيمة!) وهذان الشخصان لا يريدان العنب، ولا يهمهما موضوع الاستجواب، بقدر ما هو الانتقام من شخص بعينه، مثلما بدا واضحا للعيان في استجواب وزير الداخلية.
يا سادة يا كرام، الوزير، في الغالب، تم اختياره لخبرات ليس من بينها تلك القدرة الاستعراضية، يقابل ذلك أنه تتاح للنائب المحترف (استجواب كل ستة أشهر) فرصة لتكوين خبرات متراكمة، وليس من العدل أن يستفيد شخص مدرب جيدا على لعبة كرة السلة مثلا، لسنوات طويلة فنضع أمامه شخصا ماهرا أيضا ولكن في لعبة كرة الطاولة، وتتم محاسبته على أساس لعبة لم يتدرب عليها بتاتا، خذوها بالمنطق يا سادة يا محترمين!
نعم، نحن أمام عبثية لا يجهلها المحرك الأصلي لها، الذي يتبع منطق الفتونة الذي يقول «لو انتخبتموني لما حدث ذلك كله» فهل يرضى 48 نائبا أن يتم ارتهانهم لصالح نائبين؟ هل هذه هي الديموقراطية؟ رغبة محمومة في الانتقام، وازدراء لحقوق بقية النواب في مناقشة القضايا من خلال الحسم على صفحات الصحف، عبر تخويف الحكومة لتسير وفق هواهما، بغير أن يمارس النواب دورهم؟
أعتقد أن التحليل السياسي هو المدخل الخطأ لفهم هذه النفسيات، وعلى المحللين النفسيين أن يدخلوا الميدان، فهم لديهم مؤشرات توصلهم الى بواعث تلك التصرفات، شيء يسمونه الوسواس القهري «البارانويا»، ونتمنى أن يشرح لنا هؤلاء المختصون، لماذا يحدث كل هذا؟ والطريقة الأفضل للتعامل معه، باعتبار أن الأسلوب المستخدم قد فاقم من حدة حالة المريض!
كلمة أخيرة:
مقالات الزميل سامي النصف حول «الحرب الأهلية الكويتية» هي إنذار مبكر، فهو محلل سياسي قدير، وأن يصل مثله الى هذه المرحلة التي تشبه إطلاق جرس الإنذار، بغير رد فعل من ركاب هذه المرحلة من عمر الكويت، فهذا أمر يدعو الى القلق، وليس أحد مثل «الصحافة» أكثر تحملا للمسؤولية في الاستجابة لهذا التحذير، فهي التي تحدد لنا في كل صباح «جرعة الكراهية لهذا اليوم» نتمنى أن تستجيب الصحف لهذا التحذير، وألا تتجاهله بالأسلوب التقليدي، فالأمر جلل.