قال سيدنا عمر: «تعلموا العربية فإنها من الدين». كما قال عبدالملك بن مروان: «أصلحوا ألسنتكم فإن المرء تنوبه النائبة فيستعير الثوب والدابة ولا يمكنه أن يستعير اللسان، وجمال الرجل فصاحته»، فلماذا نهجر لغتنا ونهملها؟ لماذا ننسى عظمتها ونهشمها؟!
ألا يكفي أن الله سبحانه وتعالى شرفها وجعلها لغة قرآننا؟ ألا يكفي بأنها من أرقى وأسمى اللغات في عالمنا؟ فبفضلها نتوحد في دقة تعبيراتنا وكلماتنا.
فلماذا نتجاهلها ونتبجح بمصطلحات «أجنبية» دخيلة علينا؟!
إلى ان أصبحت الأغلبية تتعامل معها وكأنها لغة ثانوية ليست بذات أهمية، على الرغم من انها رمز لعزتنا ونهضتنا، ورمز لديننا وحضارتنا، واجب علينا ان نحترمها وننميها، لا أن نهجرها ونرميها.
لغة الضاد، لغة جليلة في قدرها، هائلة في تكوينها وشأنها، متنوعة بمؤلفاتها، زاخرة بمزاياها، مذهلة بفصاحتها، مهما امتطت من صهوات المعاني، إلا أنها تعجز ان تفيها حقها.
وصفها لنا الشاعر حليم دموس:
لو لم تكن أم اللغات هي المنى.. لكسرت أقلامي وعفت مدادي
لغة إذا وقعت على أسماعنا كانت لنا بردا على الأكباد ستظل رابطة تؤلف بيننا فهي الرجاء لناطق الضاد كلما أبحرنا وتعمقنا في محيطها، أغرقتنا معها بما تملكه من معجزات، تشمل الكون بكل ما فيه.
وبالرغم من عظمتها ومكانتها، إلا ان هناك الكثير للأسف يعتقدون بأن التحدث بلغة مغايرة للغتهم الأساسية، جاعليها «لغتهم الأم» في أغلب نقاشاتهم وحواراتهم، حتى وهم بين أهلهم وأزواجهم وأبنائهم، فيعتبرونها دليلا قاطعا على تمدنهم ونمو ثقافاتهم، كما يعتبرونها ايضا دليلا على رقيهم وقمة فخامتهم، وكأنهم يتهافتون على التبرؤ من الانتماء إليها، ناهيك عمن يستخدمها من باب «التباهي» فقط، اي بالكويتي الفصيح من باب «الشحاطة والتميلح» لا أكثر.
وما زاد الطين بلّة، هو غرس تلك المفردات الأجنبية في أبنائهم منذ الصغر، وكأنهم ملزمون بشكل رسمي بها، راكنين لغتنا جانبا غير عابئين بها.
فلا عيب أبدا في ان نتعلم لغة جديدة مختلفة عن لغتنا، لكن العيب ان نتعلم ونعلم أبناءنا إياها مهملين لغتنا إهمالا كليا، راكنيها جانبا، متناسين بأنها رمز أصالتنا وتسميتنا.
في حين لو رأينا معظم الشعوب الأخرى في أنحاء العالم، فسنجدهم يتواصلون فيما بينهم من خلال لغتهم الأساسية التي تميزوا بها، من دون جديد مختل أو معتل، حريصين كل الحرص عليها، يعلمونها لأبنائهم، ليتقنوها بكل دقة ودهاء، معتزين بجذورها، مفتخرين بها.
على عكس مجتمعنا، الذي نلاحظ به أغلب أبنائنا لكنتهم العربية وحتى لهجتهم العامية ضعيفة جدا، ومفرداتهم اللغوية ركيكة ومغلوطة، ما جعلهم يعجزون عن تأويل وتفسير المثيرات التي يستقبلونها، وعبر لنا شاعر النيل: حافظ إبراهيم عن هذا الحال بقصيدته قائلا:
أرى لرجال الغرب عزا ومنعة... وكم عز أقوام بعز لغات
أتوا أهلهم بالمعجزات تفننا... فيا ليتكم تأتون بالكلمات
أيطربكم من جانب الغرب ناعب... ينادي بوأدي في ربيع حياتي
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما... يعز عليها أن تلين قناتي
فيفترض بنا ان نسعى جاهدين لإعلاء شأنها، وترسيخ دعائمها، والاعتزاز بها، كي نحافظ عليها من الجهل والتجهيل، لا العكس.
قال المستشرق الإيطالي «كارلو ألفونسو نلينو» والذي كان له اهتمام واسع بالدراسات العربية، وعلم الفلك العربي، والمذاهب الدينية الإسلامية: «ان اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقا وغنى، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها»، وبعد تعمقه في مجالها، قام بتدريسها في المعهد الشرقي في ناپولي، مما ساهم في نشر اللغة العربية بين المثقفين الإيطاليين، بخلاف غيره من الغربيين الذين أثنوا وأشادوا بها، ولم تأت إشادتهم من فراغ.