كل من يقضي وقته في القيل والقال يعاني من الإفلاس.
كثرت هذه الأيام نقلات نوعية في وعي الإنسان، أخذته من دور طالب المعرفة إلى من يدعيها على الدوام، وتعالى صوت الأنا في كل نقاش، حتى أصبنا بما يسمى بحدة الطباع.
الكل يريد من الجميع أن يوافقه على ما يريد، وقلة من يرى في نفسه الخطأ أو التقصير، استغرب من التعليقات التي تجبر الطرف المعارض على تأييد ما يقال عن طريق إظهار جانب الضعف فيه كدليل يضعف من موقفه، ويجعله يرضخ للقول المختلف عنه، وأتفكر في ردة الفعل المبالغة على من يخالفنا الرأي من اين أتت؟ هل من عدم ثقتنا بما نعرف، أو لأننا نخاف من ان نعترف بأن الآخر يعرف أكثر منا، هذه الصيغة النفسية نكتسبها حين لا نكون متصالحين مع انفسنا، وحده القوي هو من يعرف أن صلاحية الآراء ليست بما يسود، بل بما ينبثق من داخلها من نور، وما نقتلعه في داخلنا من خوف، وبما نعززه من مفهوم، يجعلنا منفتحين على ما نجهله اليوم.
موقف الهجوم نابع من جهل من تكون، وموقف الدفاع نابع من الرغبة في أن يسمع لك صوت، تخلص من تلك المواقف، واتخذ من الصوت الواحد، الواثق، الهادئ، سبيلا لأن تقول ما تريد دون أن تنظر لردة فعل الآخرين، فمن حق كل إنسان أن يكون له رأي، وذلك ما لابد أن نركز عليه، وننميه، فمنذ غاب الرأي الحر، اصبح هناك رأي سليط على الفكر.
اصطحبني احدهم لحل إشكال وقع بينه، وبين صديق له، لأحكم من معه الحق، ومن لابد ان يعرف انه على خطأ، وحين استمعت لكل الأطراف، وجدت ان نقطة الخلاف لم تبن على الخطأ، او الصواب، بقدر الأنا في داخل كل منهما، وعرفت ان انتقاص احدهم للآخر هو الذي أسس كل ردة فعل سلبية في الداخل، فأخبرت كل طرف منهما ان يكتب بورقة كل ما يزعجه في الطرف الآخر، وفي المقابل يكتب ايجابياته، وبالفعل بعد ذلك خفت حدة الصراع، واصبح الخلاف يتلاشى، والاختلاف يأخذ مكانه الصحيح في ادارة كل تصريح، حتى وجد كل منهما في رأي الآخر ما يضيف اليه، ويعزز من قيمة ما في يديه.
في الطبيعة كل كائن يختلف عن الآخر، لكن في النهاية يرسمان كونا متجانسا، وحياة متبادلة، وألوانا زاهية، جرب ان تكون صاحب فكر يختلف عن افكار الآخرين، ويرحب بكل جديد، وان يكون عنده الاستعداد لأن يسير معها في نفس الطريق، دون ان يؤثر عليها، او يتأثر بالسلب فيها، فبذلك نرى الاختلاف سبب للقوة، واكتشاف الذات باطلاع، وانفتاح، ففي حضرة ما هو غير مألوف، نبصر ماذا نريد كل يوم.