الحوثيون هم من أنصار المذهب الزيدي الذي ينسب إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حيث نجح يحيى بن الحسين الرسي أحد أئمة المذهب في تأسيس الدولة الزيدية في اليمن عام 284هـ/897م باسطة نفوذها السياسي في صعدة أحد عشر قرنا بين قوة وضعف حتى عام 1962م إذ وضع الجيش حدا فاصلا لحكم أئمة الزيدية في اليمن.
وفي مواجهة تنامي التيارات السلفية في اليمن بدأت حركة سياسية دينية نشطة في الثلث الأخير من القرن الماضي لإحياء المذهب الزيدي بمنحى فكري مخالف لسياسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح والمذهب الزيدي المعتدل الذي عهدناه.
مشروع سياسي وطموح بلا حدود وظروف عربية وإقليمية ودولية ساعدت حسين بن بدرالدين الحوثي في تأسيس حركة أنصار الله (حركة الشباب المؤمن سابقا) وافرة العدد متماسكة ومعتادة على الطاعة العمياء تتخذ شمال اليمن مركزا لها. وقد عرفت باسم (الحوثيين) نسبة إلى مؤسسها حسين الحوثي على أن الحوثي وأنصاره رفضوا الحوار مع الحكومة اليمنية للعدول عن تشددهم الأمر الذي أدى إلى مقتل حسين على يد قوات الأمن اليمني لتبدأ ست حروب بين المعسكرين في محيط جبال صعدة في الفترة ما بين 2004 و2009م.
وبعد مقتل المؤسس تمكن خليفته عبد الملك الحوثي من قيادة الحركة مستغلا الخلافات التي نجمت عن انتقال سلطة الرئيس السابق وتداعياتها وضيق الأفق لدى بعض رموز العمل السياسي والصدع اليمني الذي لاتزال الخلافات الشخصية تطغى فيه على المصالح الوطنية والتسهيلات التي قدمت للمتمردين أثناء اجتياح العاصمة.
وتحت وطأة النزعة القتالية المتنامية للحركة في صنعاء وقع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي (اتفاق السلم والشراكة الوطنية) في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م مع الحركة نفسها والأحزاب الأخرى في اليمن تحت بند الاستسلام والإذعان لميزان القوة المسلحة ذات الخبرة القتالية الكبيرة والتحدي الصارخ الذي لم تعهده حكومات اليمن من قبل.
واليوم تعيش اليمن فراغا سياسيا، والمشهد في غاية التعقيد والغموض وحتى لو تم تسمية شخصية توافقية لرئاسة الحكومة سوف يقابل التكليف بالرفض من قبل الجماعة والسؤال المطروح ما مدى التزام الجماعة بتنفيذ بنود الحوار الوطني؟
ويخطئ من يعتقد أن الحركة سوف تلتزم بتنفيذ (بنود اتفاق الشراكة وملحقه الأمني) الذي ينص على سحب عناصرها من صنعاء، وبذلك تكون الحركة قد قطعت الطريق على أي اتفاق سياسي يساعد اليمن في الخروج من أزمته، فالحركة ترفض تسليم صعدة للدولة وترفض تسليم سلاحها وهي بنود أساسية في مخرجات الحوار الوطني بهدف السيطرة على القرار السياسي وفرض الرأي بالقوة.
إن أخطر ما في المشهد اليمني هو أن تكون الكلمة الفصل لحركة تمرد مسلحة تعبث بمقدرات اليمن وسكانه، والأخطر من ذلك ليس في تقديم التنازلات من قبل الحكومة اليمنية فقط، بل الخوف من دخول اليمن في حرب أهلية أو التسليم بالدور الرئيسي في رسم العملية السياسية للحركة في صنعاء التي بدأت بالتمدد على طول ساحل البحر الأحمر بهدف السيطرة على حقول النفط في مأرب ومناطق أخرى.
إن غزو صنعاء والسيطرة على مؤسسات الدولة وإقامة حواجز التفتيش وما يتعرض له الوزراء وكبار رجال الدولة والمواطن العادي من قبل أنصار الحركة أمر خطير، وبالرغم من كل هذه الانتهاكات التي يمثلها هذا الغزو لاتزال ردود الفعل العربية والدولية على ذلك ضعيفة.
ومع ذلك فإن التسويات الراهنة والشروط والأفكار المطروحة هي مجرد ترحيل للمشكلة اليمنية على أن دول الخليج العربي لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تمرد الحركة الحوثية ولابد من محاولات جادة لاستعادة هيبة الدولة اليمنية وسيادتها.
إن الحرب التي تشنها الحركة الحوثية على صنعاء لها آثارها السيئة وعواقبها المؤلمة على الناس جراء تعرضهم للقتل والنهب والدمار، وقد تتجاوز المسألة إلى قلب موازين القوى الإقليمية وخلق وضع استراتيجي جديد سوف ينعكس سلبا على اليمن ويهدد أمن دول الجوار ومستقبلها.