مؤرخ وأكاديمي من الأردن
إن اللحظة التي يبلغ فيها المرء أعلى مراتب الإنسانية هي تلك التي يسير فيها نحو التكريم من أجل الإنسانية، والتكريم ليس امتيازا بل مسؤولية، ومسؤولية القيادة هي في الارتقاء إلى مستوى الأحداث والهموم الإنسانية، ولعله من حسن حظ الكويت أن يكون من بين أفرادها من ينير لأبنائه درب الإنسانية والمعرفة، ومن يفتح أمام أعينهم آفاق الخير ويرتقي بهم إلى مصاف العالم المتحضر ويضعهم على عتبة المستقبل.
ومن هنا تحتفل الكويت في هذه الأيام بمناسبة منح الأمم المتحدة لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد لقب قائد للعمل الإنساني وتسمية الكويت مركزا للعمل الإنساني تقديرا لجهود سمو الأمير الكبيرة التي يبذلها على الصعيد الإنساني من خلال مبادراته الإنسانية ودعمه المتواصل للتخفيف عن معاناة الشعوب المنكوبة في العالم.
ولقد عرفت الكويت في تاريخها المعاصر، بل في كل مراحل تاريخها، كيف تكتب العناوين الكبيرة وهي تجارب عديدة ومتنوعة على مستوى الفرح والأعياد الوطنية الكويتية وفي كل المناسبات هي دفقات حارة في اتجاه الشروق ليوم التكريم العالمي لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وفي هذا الاتجاه سارت قوافل الخير المباركة في الكويت دائما لتتويج المسيرة الإنسانية على المستوى العربي والإقليمي والدولي، كما كانت في أيام سبقت هذا التتويج، أو جاءت من بعده.
إن يوم التكريم العالمي للكويت هو يوم الأمير، هو الفخر والكبرياء، هو يوم الاعتزاز، يوم المواطن الكويتي، كبيرا كان أو صغيرا، رجلا كان أو امرأة، ولأنه كذلك فقد ارتقى إلى مستوى الأيام المشرقة في تاريخ الكويت.
وقد جاء منح لقب قائد العمل الإنساني لصاحب السمو الأمير الشيخ ليجسّد الكويت مركزا إقليميا للعمل الإنساني، لأن الإنسانية هي العطاء الذي لا ينتظر الثمن، وهي من العناوين الحضارية البارزة من أجل الكويت كوطن، ومن أجل الواجب الإنساني أينما كان في سبيل خدمة الإنسانية والسلام في كل بقاع العالم.
هكذا يكون العطاء، عندما تكون الإنسانية نقطة الارتكاز فيه، ليسمو العطاء إلى درجة حمل الرسالة، فتصبح الكلمة الفصل في هذه الحياة لمن سار على درب العطاء من دون منة أو ترقب لثمن، وهي بالمحصلة النهائية انتصار لإرادة أبناء الكويت بكل ما تحمله الإنسانية من قيم الحب والسلام والعدل والتسامح والصفاء والإحساس بالاخوة بين البشر.
لقد آمن صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بالإنسانية رسالة وأصالة وفكرا، ومن أجل هذا كانت بصماته الواضحة في المجالات المختلفة التي تتصل بالإنسانية والإنسان.
وفي كل هذه الصور الناصعة يعد التكريم الأممي حدثا تاريخيا مهما له بعد حضاري يرتقي بالكويت إلى مصاف الدول الحضارية الداعمة للسلم الدولي والعمل الإنساني والاغاثي.
ومن هنا فإن تكريم سمو الأمير الشيخ صباح الاحمد يعد التزاما وطنيا وجب على الشعب الكويتي أن يتخذه المثال الساطع الذي يقتدي به في حياته والدفاع عنه، والمشعل المتوهج الذي يهتدي بنوره، لأن العمل الإنساني والإنسانية استمرار لسيادة الخير على عنصر الشر في الحياة، وجائزة قائد العمل الإنساني هي خارطة الطريق الكويتية التي وضعت الكويت في الوقوف إلى جانب السلام العادل كسمة تميز بها حكم آل الصباح في الكويت من خلال اتباع سياسة الوسطية والحوار لإبراز الصورة المشرقة للإسلام.
أجل، فإن تسمية الكويت مركزا للعمل الإنساني من قبل هيئة الأمم المتحدة تأتي تماشيا مع أسس رسالة الإسلام السمحة في نشر الخير، ما مكن من إيجاد الحضارة الإسلامية الراسخة التي كانت جسر التواصل بين الغرب والشرق، باعتبارها حضارة إنسانية شاملة ساهمت في انتقال الغرب إلى عالم الحداثة.
هكذا يترسخ العطاء الإنساني الكويتي تماشيا مع هدي الإسلام العظيم الذي نتشرف بالانتساب إليه، الأمر الذي يدعونا إلى المشاركة الفاعلة في المجتمع الإنساني والإسهام في رقيه وتطوره وتقدمه متعاونين مع قوى الخير ومحبي العدل والسلام في العالم، ونتطلع إلى نهوض علماء الأمة العربية والإسلامية إلى الإسهام في تفعيل مسيرة الكويت في الجهد الإنساني ليكون القدوة والمثل الأعلى في الدين والخلق والسلوك والخطاب الراشد المستنير.
لهذا كله فإن التكريم الأممي لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد رمزا للإنسانية يبقي الشعلة في موقدها ويبث بين أفراد الأمة العربية والإسلامية وفي أرجاء العالم الخير والسلام والمحبة والإنسانية برشد السياسة وبصيرة الحكمة الثاقبة، وأخيرا نسأل الله العلي القدير أن يهيئ لأمتنا العربية والإسلامية سبل التقدم والازدهار، ويجنبها شرور الإرهاب والفكر المتطرف والغلو، ويحفظ لها مكانتها، ويديم مجدها، ويرسخ عزتها، إنه نعم المولى ونعم النصير.