قضية إنسانية عمرها يزيد على 50 سنة، وهي تتعلق بفقدان الأوليات من الحقوق البشرية التي شرعتها وأكدت على توافرها وتوفيرها والدفاع عنها الشرائع الإلهية والقوانين المدنية والضمائر الحية. أصحاب هذه القضية مستقرون على أرض الكويت ويسمون فيها «غير محددي الجنسية أو البدون «عددهم بحسب التعداد الأخير يقارب 105 آلاف شخص، محرومون من أساسيات الانتماء المدني كثبوتيات الميلاد والوفاة والزواج والطلاق وعليه فهم ليسوا «بدون» بمعنى بدون جنسية فقط، إنهم واقعا بدون حقوق، يأتي أحدهم إلى دنيانا ولكن لا يوجد ما يثبت ذلك ويرحل عنا إلى الآخرة وأيضا لا يوجد ما يثبت ذلك، أي اننا حكمنا عليهم بأن يعيشوا بيننا بلا حياة. طرحت قضيتهم لأول مرة في مجلس الأمة في جلسة 23 نوفمبر 1963م ليؤسس لها حل ولكنها إلى الآن لم تحل وبعد أكثر من 50 سنة من الإعدام الاجتماعي لهذه الفئة البشرية التي تشملها مطالب الرعاية والعدالة الإلهية برزت مؤشرات إيجابية كذكر الحكومة لقضية البدون للمرة الأولى في الخطاب الأميري في افتتاح دور الانعقاد الحالي وهو الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الثالث عشر، وأيضا تحويل القضية من عهدة وزارة الداخلية إلى مجلس الوزراء باستبدال الجهاز المركزي باللجنة التنفيذية السابقة وتقرير 5 سنوات كحد أقصى للانتهاء من حل المشكلة.
هذه المؤشرات الإيجابية والوعود لماذا لم تكن كافية لبعث الاطمئنان في نفوس هذه الفئة المحرومة بحيث تغنيها عن إقامة المظاهرات التي تمت يوم الجمعة 11/3/2011م في الجهراء والصليبية والأحمدي؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل من الأمور الواضحة، فالثقة تتطلب المصداقية التي فقدوها في جدية الحكومة التي وعدت أمام لجنة البدون البرلمانية بأن جميع قراراتها سيتم البدء في تنفيذها قبل جلسة 8/3/2011م البرلمانية، وهذا ما لم يحدث.
أما على مستوى وعود النواب ومواقفهم فهي أيضا ليست أفضل من الحكومة، فبعد أن وقع 26 نائبا على طلب إقرار قانون الحقوق المدنية والإنسانية للبدون، صوت فقط 18 نائبا على استعجال نظر القانون مما يفيد بعدم جدية البقية في إنهاء قضايا الحرمان الطويل المؤلم الذي تعيشه هذه الفئة. فأمام هذا الواقع المر الذي نشبعه كلاما ولكن لا نريد له إنهاء ينبغي ألا نستغرب من مظاهرات المطالب الحقوقية أن تقوم معبرة عن غضب الحرمان والقهر.
ماذا نخسر إذا جنسنا من يستحق الجنسية؟ ولماذا نحرم الذين لا تنطبق عليهم قوانين الجنسية الكويتية ولا ينتمون فعلا إلى بلد آخر، لماذا نحرمهم من أبسط الحقوق الحياتية والإسلام يوصي كلا منا بألا ينام وجاره جائع؟ هل نخشى أن يشاركونا خيرات بلدنا؟ لا أعتقد ذلك، بل لا أريد أن أفكر في ذلك وقد عرف شعبي الكويتي الكريم بيده الممدودة بالخير للجميع في أقاصي البلدان يبذل مال الله لعباد الله، فأذكر أن (الأقربون أولى بالمعروف)، (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
نداء عاجل للسلطتين التشريعية والتنفيذية بالإسراع في إنصاف إخواننا البدون، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ويديم نعمه عليكم.
[email protected]