«قلق السعي إلى المكانة» كتاب من تأليف الفرنسي آلان دو بوتون تحدث فيه بإسهاب عن مفهوم قيمة المرء وأهميته في أعين الناس ومؤداها إلى الشعور بالرضا أو المهانة.
كما ناقش الكاتب قبلها طرق بحث الإنسان عن الناس والتقدير الذاتي في كتابه «عزاءات الفلسفة» بأسلوب مسلّ ومرح، بينما في «قلق السعي» طرح جدلية تكاد تكون حقيقة غالبية البشر، وهي أن الإنسان يجتهد ليكون محبوبا ومقدرا وذا مكانة أكثر من حصوله على أي مكسب آخر، وأنه حتى إن كان يظهر أنه ينافس لمنصب وسلطة فهي بالتالي لهدف الحصول على التقدير والمكانة الاجتماعية العليا.
أرجع المؤلف الرغبة في الحصول على المكانة لافتقاد الحب والثقة والقيمة، ثم تشوه الهوية الأمر الذي يجعل الدافع للاقتناء بين الأشياء والماديات صرخة للفت الانتباه «أنا هنا» ويدعمها اهتزاز الصورة الذاتية للشخص
ويرى وليم جيمس (1890) في مبادئ السيكولوجيا أنه «لا يمكن ابتكار عقاب أشد شيطانية، إن كان شيء كهذا ممكنا ماديا، من أن ينطلق المرء ساعيا في المجتمع من دون أن يلاحظه أحد بالمرة» واصفا الإنسان بأنه يعامل معاملة الموتى، فيشعر بالحنق واليأس.
ولّ وجهك لمن حولك وراقب، كم من إنسان تدمرت حياته ليرضي الآخرين من أسرة ومجتمع وعمل ورؤساء وغير ذلك؟ إنه انعدام التقدير الذاتي وفقدان الثقة بالنفس والحاجة لمادح خارجي للشعور بالاكتمال.
يتناول تولستوي مفهوم أعمق في «موت ايفان ايليتش» بأن «فكرة الموت» قادرة على إعادة ترتيب الحياة بالابتعاد عن العالم الدنيوي والمادي والاقتراب إلى الأخروي الروحاني، فبعد «الحرب والسلام» و«آنا كارنينا»، وتحقيقه للشهرة والثراء توصل تولستوي نفسه إلى أنه لم يعش حياته وفقا لقيمه الخاصة بل لما وضعها المجتمع، تلك التي أضرمت رغبته لمزيد من القوة والسلطة والتفوق والشهرة والثراء أكثر من الآخرين، تلك الشراهة عندما واجه فكر الموت تساقطت معها الغايات واحدة تلو الأخرى، واتجه للتدين، أي تبنى المعنى والمثل وهدم أصنام الواقع الذي سعى فيه لمكانة حققها بالتفاخر والانتقام والسحق.
إن المكانة والاحترام والتقدير صارت الشغل الشاغل للناس، ولكن السعي لتحقيقها قد ينتهج «الغاية تبرر الوسيلة» وليس كل الوسائل أخلاقية وإن كانت الغايات كذلك، فما بالك بغاية المكانة والمهابة.
للمكانة مفاهيم بنيت مسبقا من المحضن الأول الأسرة تشترك معها العائلة الممتدة، ثم المدرسة والمجتمع وهكذا تتسع الدائرة فيجد الإنسان نفسه أمام شروط لم يضعها لتحقيق المكانة بل توارثها، والتي تستحق احترامنا بحد ذاتها ولنفسها، ذلك لأن الهيبة صفة يمكن تطويرها بالأساليب المشروعة المتسقة مع الأخلاقيات التي يتبناها الإنسان طبقا لقيمه العليا وما يراه يستحق السعي لتحقيقه، أولئك الأخلاقيون لا يمكن أن يصنعوا المكانة بالتعدي على الحقوق والتطاول على الحدود وامتطاء المصالح أو تجاوز الاعتبارات المقبولة، فالمكانة ليست هدفا بحد ذاتها بل نتيجة.
في مجتمعاتنا صارت المكانة أحد أساسيات المعيشة الكريمة وهو بيدان السلطة والمال، بصرف النظر عن الاعتبارات الأخلاقية، وتفوقت التعريفات المادية (المحسوسات والأشياء والمقتنيات وأسلوب الحياة) على المعنوية (الدين والقيم والمبادئ العامة) ففي حين، مثلا، كانت المرأة تمتدح بسترها ورزانتها وتدبيرها، صارت تنكح لشهرتها وعدد متابعيها في وسائل التواصل الاجتماعي وبحجم ثروتها من الإعلانات التي ترتفع سعرا وعددا كلما زادت مشاركاتها لحياتها الشخصية ويومياتها مع العامة، حتى تحولت المكانة من سبب لبلوغ هدف إلى غاية بحد ذاتها تبررها كل الوسائل.
kholoudalkhames@