يوم 11 نوفمبر الذكرى الثامنة والخمسون لإعلان دستور 1962 للكويت، والذي وضعه المجلس التأسيسي برغبة أمير الكويت آنذاك الشيخ عبدالله السالم الصباح لهذا الغرض، حيث أصدر في السادس والعشرين من أغسطس 1961 مرسوما أميريا لإجراء انتخابات للمجلس التأسيسي لعشر دوائر انتخابية يختار منها الشعب مرشحيه، ليتكون المجلس من عشرين مرشحا وأحد عشر وزيرا، وانعقد المجلس في اثنين وثلاثين جلسة أقر خلالها دستور الكويت المعروف بدستور 62، واستمر المجلس التأسيسي في عمله حتى العشرين من يناير 1963 ليحل نفسه والدعوة لأول انتخابات برلمانية لاختيار أعضاء أول مجلس للأمة.
والدستور لغة كلمة فارسية تعني الدفتر الذي تكتب فيه أسماء الجند، والذي تجمع فيه قوانين الملك، وتطلق أيضا على الوزير، وهي مركبة من كلمة «دست» بمعنى قاعدة، وكلمة «ور» أي صاحب، وانتقلت إلى العربية من التركية بمعنى (قانون، وإذن) ثم تطور استعمالها حتى أصبحت تطلق الآن على القانون الأساسي في الدولة، وأفضل اختصار لمعنى الدستور ما جاءت به لغتنا العربية: «هي القاعدة يعمل بمقتضاها».
أما في التعريف الاصطلاحي فالدستور مجموعة الأحكام التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وسلطاتها، وطريقة توزيع هذه السلطات، وبيان اختصاصاتها، وبيان حقوق المواطنين وواجباتهم.
ونحن على أبواب الخامس من ديسمبر، الانتخابات البرلمانية في الكويت، نجد الكثيرين يصنفون أنفسهم حماة للدستور، قد لا يعلمون أغلبية مواده التي بالفعل تدعو لحمايته والدفاع عنه والتمسك بما يدعم القيم العامة ذات المثل العليا المشتركة لبقاء المجتمع واستمراره ضمن منظومة الحقوق والواجبات تفصيلا، لذلك فمن أسس تدعيم المواطنة أن يعرف الشعب مواد الكتاب الذي يتحكم في العلاقة بينه وبين الدولة بمؤسساتها، وأقول يعلم من باب رفع الجهالة عن العامة عبر الكتيبات التوعوية، ويجب أن يكون في كل بيت فرد واحد على الأقل يعرف مواد الدستور بعمومية ليعطي واجباته ويأخذ حقوقه.
لكن هل معرفة الدستور هي حد الكفاية وسقفها؟ لأجيب عن التساؤل عزيزي القارئ سآخذك معي لمدرج القاعة 112 في كلية العلوم السياسية منتصف الثمانينيات، عندما تناولت في بحث علمي في جامعة الكويت أثناء دراستي قضية كان مجرد التفكير فيها آنذاك محرما، فكيف بمناقشتها في معقل القوى الوطنية، أو كما يطلقون على تيارهم «الديموقراطيين» ومن طالبة لم تتعد العشرين، وهي قضية تنقيح الدستور؟!
وجد البحث الكثير من الاعتراضات لم يعط أصحابها فرصة لفهم التفاصيل، ورجموا الفكرة قبل الانتقال لعرض المباحث من أسباب أهمية التعديل في الدساتير حتى لا تأخذ قدسية خادعة، والمواد المقترح إلغاؤها وأخرى يجب تعديلها ولماذا.
كانت الهجمة على الفكرة، ولأن أستاذ المادة كان من «الديموقراطيين» لم يمنح البحث العلمي المحكم لا الوقت اللائق، ولا الدرجة العلمية التي يستحقها بصفته مكتمل أركان البحث العلمي، بغض النظر عن موضوعه، ولا الحياد في إدارة النقاش المفروض مهنيا.
الآن: أسقط القصة أعلاه على سلوك الشارع الانتخابي وغير الوجوه والزمان والمكان والفكرة فقط، فستجد البحث العلمي المكتمل الأركان (الفكرة) وهو يكافح ليعبر عن نفسه، والباحث النشط (صاحب الفكرة الجديدة) المهتم بالتغيير عبر الوسائل الأكاديمية المتاحة ولكن ليس لديه زخم من الدعم، وستجد المعترضين (العامة المتمسكة بآراء معلبة) من دون معرفة تامة بالموضوع فقط لمخالفة الفكرة لأصنام يؤمنون بها، ولكن الأشد حزنا والأكثر تأثيرا في المشهد هو الأستاذ الدكتور (السياسي المتنفذ) المسؤول عن منح البحث حق العرض العادل، وهو أدنى حق مشروع ومفروض، يقف بلا أي تأنيب ضمير وبكل وقاحة بصف رأيه متجاوزا كل الأعراف والقوانين.
هكذا تدار الساحة السياسية، والحياة تسير في دوائر والأحداث تعيد نفسها.