لا أؤمن بالصدف.. بل بالأقدار.
شاهدت ثلاثة أعمال درامية (تباعا لذلك استشعرت أن هناك سببا ورسالة) وجميعها تركز على دور الصحافي في: المجتمع، السياسة، المال، الأعمال، الدين، أي جميع جوانب الحياة.
وقبل الشروع بالمقال سأفكك الاشتباك بين مفهومَي المؤسسة الصحافية والعمل الصحافي.
المؤسسة الصحافية هي وعاء العمل الصحافي والمحضن والكيان القانوني، بينما العمل الصحافي يرتكز على شخص الصحافي ومنظومة قيمه وأهدافه وإيمانه بما يتبنى، ومن مختصر الفرق هذا نستخلص أن المؤسسة تخضع لاعتبارات تجعلها حذرة وانتقائية في النشر ولديها أجندات، بينما قد لا تقف تلك الأسباب حائلا أمام الصحافي عندما يمارس المهنة كمحقق أو محلل أو محرر أو كاتب رأي.
عند مشاهدتي للأعمال الدرامية تذكرت ما تناسيته لفترة من الزمن ووضعته فوق أعلى رف في خزانة تفكيري بل وبعيدا عن متناول اهتمامي، أن الصحافة مهمة وليست مهنة، والصحافي المتميز الحر يمكنه إحداث الفرق في العالم بل إنقاذه.
جرني ذلك إلى سبب تراجعي خطوة إلى الخلف، ولنقل أخذ استراحة أو إجازة حتى إشعار آخر من النشر، بالطبع ليس من الكتابة، وهو النزاع بين الصحافة النوعية والاستهلاكية، الصدق والسبق، النشر للتواجد والنشر لترك بصمة، القيم وما يتطلبه الأمر لإرضاء المُلاك وإشباع شهوة الشهرة، تلك دوامة البقاء وسط محيط صاحبة الجلالة التي تتطلب الاحتماء المستمر بسترة النجاة وما أن تنزعها تغرق.
غبتُ عن النشر كثيرا لأفك عقدة الخيوط في رأسي بين ما أؤمن به وما يمكن نشره، قد يكون للأصحاب دور مهم في الدعم والتشجيع بتذكيرك بمن أنت والقضايا التي تعمل في سبيلها والمبادئ التي تريد بثها عبر العمل الصحافي، ولكن الذي يحدث الفرق، بالنسبة لي بالذات، هو صوتي الداخلي الذي يقول لي الحقيقة بلا مجاملة وزيف، ذاك الشاحن الذي يعمل مثل «اسبريسو دبل» بعد نوم متقطع ليدعم إفاقتك ليوم طويل، إنه الضمير الذي بسببه تفعل أو لا تفعل، فتعلم بعد صراع أن ما يحبسك ليس القدرات بل الأخلاقيات.
الشجار الذي بلغ أحيانا حد التشابك بالأصوات، بين ما أكتب وما يمكن أن ينشر، هدأ أخيرا بعد أن فسحت له المساحة بلا رسم للحدود الزمنية ليعبر عن تناقضاته، وأظنه توصل إلى هدنة، وليس اتفاقا غالبا، واتضحت الرؤى لخريطة المهم والأهم وغير ذي الأهمية لأتمكن اليوم من مشاركة القارئ تلك المعركة الذهنية لوضع خطوط سير في مهنة أقل ما توصف بأنها ساحة حرب مستمرة ومستعرة.
مسلسلات وأفلام ووثائقيات بل وكتب اخترتها بشكل عشوائي وجهت الضوء للمنطقة بين الأبيض والأسود، لأستكشف ألوانا كثيرة تنعش ذاكرتي وسط الغث، بأنني أنتمي إلى الجيل المقاوم الذي تلقى سهام الانتقاد الاجتماعي لعمل المرأة في الصحافة من جهة، وتعامل المؤسسات الصحافية بازدواجية المعايير والتمييز ضد المرأة من جهة أخرى، ولتخبرني أن آثار طعنات وعورة الطريق قد صنعت درعا واقية من التجربة والخبرة والإمكانيات بل والتميز، ومن الخيانة وضع كل ذلك على الانتظار حتى تحدث معجزة ما تغير بيئة العمل الصحافي من الجفاف إلى أرض خصبة، وتوقع أن الانتماء للسلطة الرابعة ثمنها بخس.
قد أكون توقفت لوهلة عن النشر، ولكن الكتابة آلة مستمرة بإنتاج لم يتوقف ولا يخضع إلا لمنظومة غير قابلة لاختراق المجاملات والتسويات والحسابات، وهو في الحفظ والصون حتى يأتي وقت الإفراج عنه.
ومبدئيا: الشجار فض والاشتباك فُك.
kholoudalkhames@