كل آن تنتشر قصة وفاة شاب، إصابة آخر بعاهة، سجن لأحداث بسبب تعديهم بالضرب على آخرين، والقائمة تطول من نتائج السلوك الشاذ على مجتمع الكويت المعروف بأخلاقه ودينه ومسالمته.
لقد تحولت شوارع الكويت ومجمعاتها الترفيهية إلى ساحات حرب تستخدم فيها أسلحة بيضاء قاتلة مثل السواطير والسكاكين ومعدات تبديل إطارات السيارة، باختصار كل شيء عدا السلاح الناري، والبعض لديه سلاح الصيد «شوزن» وهذا أيضاً مشكلة أخرى كبرى بيد المجرمين.
وعندما أقول: «مجرمون» فأنا أصف «مجرما محتملا» لم يرتكب جريمة بعد، ولكنه متحفز لتطبع على صحيفته الجنائية جملة «من أصحاب السوابق» بسبب تصرفاته العنيفة.
تلك التصرفات يلاحظها علماء النفس والاجتماع والسلوك، وتنذر بأنه «مشروع مجرم» منذ المرحلة المبكرة في المدرسة، ويفترض أن ترفع في شأنهم تقارير من الاخصائيين فيها، ولكن هل تفعّل المدارس دورها؟ واضح من المخرجات أن المدارس هي بذاتها إحدى ساحات القتال بين الشباب، ونهاية اليوم الدراسي هي بداية «معركة» انطلقت شرارتها في أروقة الفصول بسبب كلمة أو وصف، والنتيجة: ضارب حدث، ومضروب متضرر جسدياً، وكلاهما يحتاج علاجا نفسيا، وعائلات مكلومة لا تدري ما الجهة المسؤولة عن أمن أبنائها في المدرسة والشارع؟!
الأخ وزير التربية: هل تظن أنك مسؤول عن الظاهرة السابقة؟! إن نعم فأصلح في مكانك ما استطعت واستعن بمن يصلح معك، أما المبررِّون وكتاب الأعذار الذين يعملون فقط على حمايتك من الانتقاد لتلميع وجهك السياسي فلن ينفعوك عندما تقف أمام الله وتُسأل عما فرطت فيمن وليتَ عليهم، أما إن لم تر أنك مسؤولاً ولو جزئياً، فالمصيبة عظيمة واستقالتك شرف ومنجاة لك في الدنيا والآخرة.
ورغم كل التنظير والأبحاث والمشاريع والمؤتمرات والمنتديات والكلام «المليان والكبير» للمحاضر الختامية، الذي نراه على أرض الواقع: شباب يكاد يقتله الفراغ والرفاه وإهمال الدولة لتنميته، فقرر أن ينفس عن إحباطه وغضبه في غيره، وكأن «عيال الناس» فئران تجربة لتقلب مشاعره، مرة يحتضنهم ومرة يقطع رؤوسهم، أو لوحة «نيشان» يتدرب فيها سهمه الطائش!
وبعد أن تقع الفأس بالرأس وتحدث المشكلة ويصاب من يصاب ويسجن من يسجن، تبقى حلقة مفقودة رغم وجودها، التطبيق العادل لإجراءات القانون، هناك قانون وإجراءات تنفيذية، ولكن التطبيق يشوبه الكثير من انتقائية وفساد حقيقي في الجهاز الأمني.
الأخ وزير الداخلية: ما الجهة المسؤولة أمام المواطن عن تحقيق العدل المعني هنا وهو «الالتزام بإجراءات تطبيق القانون بالوقت الصحيح ومع الجميع وبتجرد»؟
رابط كبير بين حرب الشوارع وفساد الجهاز الأمني واضح للعيان، أجهزة تعيِّن موظفي دولة، بدلاً من أن يمارس أحدهم دوره كـ «موظف دولة» ويقوم بواجبه الذي ينص عليه القانون واللوائح والضمير والإخلاص، يتعامل كـ «موظف للعائلة أو الفئة أو القبيلة الفلانية بالمكان الفلاني»!
أجهزة الدولة تدار بالأسماء والانتماءات الطائفية والقبلية والفئوية، وجملة «عندنا ولدنا فلان يداوم في المخفر الفلاني روح له يضبطك» يجب أن تمسح من قواميس المواطنة!
كلامي أوجهه لمن ينادون بالمساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن، حاضرة وبادية وطوائف وأغنياء وفقراء، لمن خرجوا للشارع بسبب شعورهم بالظلم ولفساد أجهزة الدولة: ها أنتم أول من يخالف القانون لحماية أبنائكم الجناة من العدالة والمساواة التي تدّعونها، وتعرضون العوض المالي، فبدلاً من الاعتراف بالمشكلة والتكاتف لحلها تربون جيلاً على أن لكل جريمة ثمنا!
سؤال لولاة الأمر، كل في موقعه، هل تشعر بمسؤوليتك عن ظاهرة حرب الشوارع بين الشباب في الكويت؟! إن نعم، فماذا فعلت؟
لو يعلمون أنهم سيُسألون عن كل شوكة يشاكها أحد من الرعية فهل سيستمرون في سياسة التغاضي والإهمال؟!
والكارثة أن البعض يسوق الدروشة في قضية تزهق فيها أرواح بشر هي أهم عند الله من الكعبة، بمبرر أن هذه هي الدنيا «كَبَد» وأن على الرعية الصبر والتحمل حتى يأتي موعد الجنة!
أهناك «تشبيح» ديني وتقوُّل على الله أسوأ؟!
ما رأي العلماء والمشايخ في «المرجئة الجدد» الذين يريدون وأد بذل الأسباب والتعلق بالقدرية تواكلاً ويعطلون الحقوق ويؤجلون بناء دول العدل بسبب عقيدتهم الفاسدة القائمة على احتقار عامل التكليف الرباني للبشر، والأصل في الجزاء والعقاب وهو العقل، والتعلق بأستار الوهم وغيبيات كاذبة ابتدعوها لتغطية أمراضهم النفسية وعجزهم عن الاعتراف بها أو مواجهتها لعلاجها؟!
أخيراً أتساءل: أكثير على أم أن يرجع ابنها للبيت من المدرسة أو من الجامعة أو من أي مكان يخرج له في الشارع، بدلاً من أن تذهب للتعرف عليه في ثلاجة الموتى، أو تقضي عمرها تنتظر خروج الجاني من السجن حدثا كان أم بالغاً؟!
لا أنتظر رداً «وظيفياً» من العلاقات العامة في «الداخلية» و«التربية»، أنتظر حلولا تجعل هذا البلد آمنا.
twitter@kholoudalkhames