المقال الثالث والأخير، لكنه ليس النهاية لحكاية طابور أنهك حياتها وحاك ضد سعادتها وكاد لحقها في الحرية والخصوصية والاستقلالية والقرار.
وهي تشرب القهوة التي بردت قلت لها: لنغيرها بأخرى ساخنة، فقالت: اعتدت أشربها باردة فكلما وضعت فنجاني ناداني أحد أطفالي فاستجبت له، «لما كنت في سفر مع زوجي الأول أبو عيالي الخمسة».
وأنت يا خلود ما شاء الله «صرت صحافية» من الثانوي وشكلچ أم قليب فضحكنا وحدثتها عن نفسي وسيرة حياتي، حتى لا تشعر بأنها وحدها مرت بكبوات وأن الإنسان في كبَد في الدنيا، وما عليه إلا جهادها والقيام كلما وقع.
تقول: طلقت من زوجي الثاني بعد ضغط أسرته وعائلته الكبيرة، و«العيال» عندي ورجعت بيت أبي. وعلى الرغم من أن أمي على قيد الحياة إخوتي يقنعونها ببيعه على أن تسكن مع أحدهم. ولم يفكر أحد منهم في أخته المطلقة غير الموظفة والأم التي ظلمت مرتين. يحملونني مسؤولية الطلاقين. وكذلك الإنجاب من الثاني، تصوّري؟! كانوا يريدون أن أمنع الحمل وأكتفي بالعيش تحت ظل رجل. أي رجل يا خلود. أي رجل هذا الذي يأخذ بنت الناس وبعد سنوات وطفلين يخضع لضغط زوجته الأولى ويطلقها ويترك عياله بلا ذنب. نعم هو ينفق عليهما ولكن كيف ذهبت كل الوعود بالحب والأمان. كان بإمكانه الصبر والتحمل خصوصاً أنني لا أزعجه بما يحدث معي من الإهانات والقيل والقال. جنبته كل الألم لأني أعلم أن للمرأة جرحا إذا تزوج زوجها بأخرى لا يلتئم، واحتملتُ لكنه تخلى عنا، بعد خمسة أعوام تركنا نحن الثلاثة، تخيلي؟!
لأسباب مهنية لم أنشر تفاصيل دقيقة حول تأثير الطابور الخامس في تدمير حياة هذه «الجميلة» التي تحولت إلى خرقة باهتة، وبدأت الحديث معها في المستقبل، فلكل «طابوره» وما علينا إلا شق صفه بالقوة والإيمان والصبر واحتمال التحدي، الحساد والغيورون ومبغضو الخير للناس آفة تأكل نفسها حتى تتآكل، وإهمالهم ونجاحنا يسقطهم، وليست هي في الهمّ منفردة.
تكلمنا في أهم شيء يجب أن تفعله ما دمنا على مشارف العام الدراسي الجديد، إعادة الثانوية العامة من المنازل تمهيداً لدخول الجامعة، أما كيفية التسجيل في الجامعة فلكل حادث حديث، وأمسكت بيدها وقلت: سنذهب معاً لنرى ما هي حقوقك كمواطنة من الدولة في الإسكان، ونسعى بكل طريق، المفتوح خير وبركة، المغلق نخلق له مفاتيح، ولا نيأس أو نقعد نندب، ووضعت معها خطة لعل الله ييسر من عنده التنفيذ.
هذه الجميلة لم يتخيل أحد ممن عاصروها أن تصل الى هذا المكان بسبب تجارب لم تنجح واعتمادها على الزوج وترك التحصيل العلمي وثقتها بأن نهاية حياة المرأة في زواجها، وليست حالتها فريدة، فكم مواطنة تعاني طلاقا ظالما والدولة لا تعامل المرأة كالرجل في الحقوق بل تعطيه وتمنعها بلا أي مسوغ شرعي أو إنساني، أما القوانين فيمكن تغييرها أو سنها ولكن هذا سلاح ينضم للطابور الخامس!
عندما تقف مؤسسات الدولة في هذا الطابور ضد مواطِنة، وتتركها بلا دعم إذا طلقت، أو إن لم تتزوج ومات أبوها وصارت بلا سكن بسبب بيع بيت الورثة، فكيف تفعل ضمن دخل منعدم؟! ولنفترض أن هناك دخلا، فهل يقدر ذوو الدخول المتوسطة على شراء بيت في الكويت أو مجاراة ارتفاع الايجارات؟! وماذا عن الحياة الكريمة التي كفلها الدستور في بلد فاحش الثراء كالكويت؟!
الأمر جلل في التمييز ضد المرأة في الكويت، ولنا عودة.
kholoudalkhames@