الاختلاف سمة العصر، ولغة التمايز بين الأشياء والآراء والأفكار والمبادئ، هذا الاختلاف يكسب الأشخاص سمات خاصة تشكل هوية المجتمع، وبسبب هذا الاختلاف تسود بين أفراد المجتمع الواحد أعراف كالعقد الاجتماعي لا يدون لكنه قانون يحتكم له وينظم العلاقات الداخلية سواء بالتراضي أو بغيره، فنجد مثلا من الشائع لفظ «شريعة الغابة» المصيبة هنا ليست أنها غابة بل انها شريعة وقانون وعرف مشهود ولفظ متداول.
ولأن الوزارات والإدارات ليست إلا مجتمعات يطولها من الاختلاف ما يطول غيرها سادت عندنا شريعة جديدة وبات كالقانون لمعالجة أي خطأ أو اعتراض يسمى «شريعة اللجان» ففي كل جديد تشكل لجنة، وعند أي خطأ تشكل لجنة، ولمعالجة أي ظاهرة تشكل لجنة، وللرد على الشكوى تشكل لجنة ولبحث الترقيات تشكل لجنة.... لجان تولد لجانا ولجان ترث لجانا بلا نتائج ولا حلول إلا ما رحم ربي.
«شريعة اللجان» عرف ساد وزارات الدولة وقانون يؤكد اتخاذ الوزارة للإجراء اللازم الذي سيعالج الخطأ ويعيد الصواب وينتصر للحق وأهله، وأمام هذه اللجنة لا يملك المشتكي إلا الصمت اختيارا بنكهة الإجبار حتى تتلاشى آماله بالرضا بالقدر خيره وشره بدءا بمصابه وانتهاء بلجانه.
«شريعة اللجان» قانون أشبه ما يكون بالمثل السائد «موت يا حمار» وظيفته تأكيد تمام عمل اللازم بهدف خلق أجواء من الرضا الكاذب للتعايش السلمي وضمان دوام المسيرة حتى تطوى الملفات والقضايا في أدراج النسيان.
ومع أن المجتمعات بدأت تتعايش مع شريعة اللجان وتتعاطى معها ولأنها كثرت حتى تشعبت وتداخلت وباتت الأصل في كل شيء ابتلينا بعرف جديد ينص على اختصاصات اللجان فإما أن تشكل لقضيتك لجنة تعترف بك وبشكواك ودعواك وتصوت عليها بأصوات «اقتلوا الشكوى أو اطرحوها أرضا حتى يخلو وجه المشتكي وننتهي منه وقضيته» أو تعيش الابتلاء الحقيقي في إقرار اللجنة بأن ألقوا الشكوى في غيابة الجب لعدم الاختصاص ليوجه المشتكي وجهه لقاضي السماء ويردد (وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد).
«اختصاص اللجان» شريعة أقسى من شريعة الغاب فتلك شريعة تحتكم للقوة دون العقل بينما شريعة اللجان تركز على المكر قبل القوة، متناسية أن الله خير الماكرين وأن الحق لا يسقط بالتقادم وأنه يخبو ولا ينطفئ وله رب يحميه.
tfkeeer@