مخلد الشمري
عنوان هذه المقالة استوحيته من عنوان مقالة نشرتها جريدة «الحياة» اللندنية على صفحتها الاولى يوم 9 الجاري في الذكرى الرابعة لسقوط تمثال وصنم صدام في ساحة الفردوس على يد قوات وجنود الحلفاء المحررة للعراق، وهي مقالة تخيل بها كاتبها غسان شربل رئيس تحرير جريدة «الحياة» ـ تخيل بها ـ المجرم صدام من قبره يتساءل ويقارن الاحداث بما كانت عليه في عهد حكمه الاسود والمظلم.
في تلك المقالة ـ كان صدام ـ يسأل ويقارن ويتحدث ويحلل وينظر ويجيب عن اسئلته بنفس طريقة صدام المعروفة، اي محاضرات طويلة غير مفهومة القصد او المعنى، وتنظيرات لن نستطيع فك معانيها ورموزها، حتى لو استعنا بحجر رشيد الذي فك رموز ورسوم لغة الفراعنة الهيروغليفية.
ثلاثة اسئلة تخيل ان صدام ـ لا قام من قبره ابدا الا لجهنم وللجحيم ـ قد سألها واجاب بنفسه عليها من قبره كما تخيل رئيس تحرير جريدة «الحياة»، لكني سأجيب عليه مرة اخرى في مقالتي هذه التي اكتبها بكل حرية، وانا اتلذذ واستمتع بالعيش مطمئنا في بلدي وفي هذه الحياة، وهي بالطبع ستكون اجوبة تختلف نهائيا وبسيطة جدا ولا تتوافق نهائيا مع اجوبة صدام التي تخيلها غسان شربل وكتبها في لندن.
«اول» تلك الاسئلة يوجهها صدام ـ كما تخيلها غسان ـ الى العراقيين، ويقول لهم: هل اوضاعهم اليوم افضل مما كانت عليه اثناء ايام حكمه لهم اي تسلطه عليهم؟
و«كأن» العراقيين ايام حكم صدام كانوا يصيفون بالخارج كل صيف، ويتمتعون ويستمـــتعون بسبب العز والامان والانتعــاش والرفاهية وبحبوحة العيش التي اوجدها صدام بـــعدله وبتوزيعه عليـهم ثروات بلادهم الكثيرة بالعدل وبالحب وبكرامة وبنــزاهة، وقبلها كأنه لم يقتل او يذبح او يجزر او يحرق من العراقيين سوى هؤلاء الذين يموتون موتهم الطبيعي.
اما السؤال «الثاني» فيسأل به صدام «العرب» قائلا: هل اوضاعكم اليوم افضل مما كانت عليه قبل 4 سنوات؟ ولأنه وبغيابه الابدي فقد العرب موحد صفوفهم الاوحد وبعده خلت المنطقة العربية من الوسيط الثقة الوحيد النزيه الذي كان لا هم له سوى العمل الدؤوب لجمع شمل العرب، وتعريب مواقفهم وحثهم يوميا على احترام شعوبهم، والاستفادة المثلى من ثرواتهم وابنائهم لتنمية بلادهم.
اما «آخر» الاسئلة التي ـ تخيل ان صدام يوجهها من قبره ـ فهو «لأميركا ولحلفائها» من دول الغرب وهو: هل اصبح العالم اكثر امانا بمجرد شطبه من المعادلة الدولية للابد، وكأنه كان حاميا لاميركا وللغرب، والذي يمدهم بآخر الاكتشافات التكنولوجية والخبرات البشرية التي كان يؤهلها ويدربها نظامه لخدمة بقية دول العالم، وكأنه لم تمتلئ اراضي الغرب ودول الشرق بالهاربين العراقيين من جحيم حكمه وعذاب اجهزة استخباراته ومن ظلمه، ومن فقر وبؤس الحياة والعيش في عهده، او ايضا كأننا قد نسينا انه ـ اي صدام ـ كان للعالم «بابا تريزا» على نمط ام الفقراء والمستضعفين ماما تريزا، او كأننا نسينا ان منظمة oxfam اشهر منظمة اغاثية تطوعية في العالم اسسها نظامه وبتوجيهات شخصية وخاصة وعليا منه، هدية للعالم المستقر المنتعش والسعيد والآمن بفضل جهود صدام واشباهه.
لاول مرة اشعر اني اقرأ مقالة لغسان شربل غير موضوعية ـ بالنسبة لي ـ على الاقل، حيث اني من المواظبين على قراءة كل مقالات غسان وتحقيقاته ومواضيعه الصحافية الاكثر من ممتازة ورائعة، ولهذا كتبت هذه المقالة محتجا وليس ناقدا، فلكل شخص في هذه الدنيا والحياة رأيه، مهما كان المعنى والقصد من هذه المقالة التي عنوانها «صدام يسأل من قبره»، وهو الذي يحقد حاليا حتى من قبره، ويلهم ايتامه لتخريب وتدمير ما يرممه المحررون والعراقيون ويعمره ويصلحه الاحرار من تدميره للانسان العراقي وللعراق وتجفيفه للانهار وتجريفه للبساتين وللنخيل، الذي يتحسف عليه غسان في مقالته، وصدام الذي جزره جزرا من ارض العراق.
فاذا كان صـدام القاتل المدمر والذي افقر وقـتل واجهل الاجيال، يسـتطيع ان يتساءل من قبره، فمن عليه ان يصــمت في قبره؟ هل هو رفيق الحريري الرمز والشهيد الانسان الذي كان عكس صدام بانسـانيته وبأفعاله وبكل شيء؟
هنا يمكننا ان نتخيل من هو الشخص الذي يحق له ان يتـساءل ويزعل من قبره.