مخلد الشمري
لا امتلك مكتبا ولا طاولة ولا حتى كرسي، ولا امتلك فاكسا لأني لا امتلك خطا لتلفون منزلي، ولاني وبكل بساطة لا امتلك منزلا ولا حتى عشة حيث إنني أعزب وان كنت امتلك طلبا إسكانيا عمره 18 عاما تقريبا، ولكني لا أريده لأني أريد أن أبقى اعزبا ماتبقى لي من ساعات وأيام وسنوات في هذه الحياة. أدمنت الجلوس لساعات طويلة في فرع من فروع مطعم للوجبات السريعة اسمه «...» واتخذت من طاولة تقع في إحدى زواياه مكتبا لي اقرأ واكتب وأشرب قهوة عليها بل وأصبحت ومنذ أن بدأت الكتابة شبه اليومية قبل 4 سنوات لا أستطيع أن اجلس إلا في تلك الطاولة، ولا أبالغ إن قلت أن الأغلبية الساحقة جدا من المقالات التي نشرتها لي «الأنباء» كتبتها على تلك الطاولة، وبعثتها للجريدة من فاكس المطعم، حتى أصبحت «عالة» وقدرا مسلّما به وشبه محتوم على موظفيه المبتسمين دائما والمستغربين دائما من مواطن كويتي يأتي للمطعم يوميا ليكتب وليقرأ قبل أن يشرب ويأكل، إلا أنهم ألفوني وتقبلوا وجودي الدائم بالنهاية، وأصبحوا يسألونني عن سبب غيابي، إن تغيبت لأي سبب من الأسباب!
قرأت كثيرا عن إدمان كتّاب وأدباء وسياسيين وفنانين مشهورين الجلوس في أماكن معينة كمقاه أو فنادق أو مطاعم وغيرها، كجان بول سارتر الفيلسوف العظيم الفرنسي الذي مازال المقهى الذي أدمن الجلوس فيه في القرن الماضي يعرض طاولته وكرسيه اليوم لزبائنه للافتخار بهما، وشاهدت بنفسي المطعم الذي كان يجلس به دوما الشاعر العراقي الجواهري في مدينة براغ العاصمة التشيكية عندما لجأ إليها في ستينيات القرن الماضي، هذا غير ما سمعناه عن المقاهي والأماكن التي اشتهرت بالقاهرة مثلا، بسبب جلوس الأديب الكبير نجيب محفوظ بها في فترة ما، وكذلك بيروت التي امتلأت مطاعمها ومقاهيها بنخبة كبيرة متنوعة الجنسيات من الأدباء والكتاب والسياسيين في فترة ما!
لهذا لم استغرب إدماني الجلوس الدائم للقراءة والكتابة في مكان معين، فهذه هي فلسفة الأماكن التي يدمن البعض الجلوس الدائم بها لإحساسه بالراحة والطمأنينة بها، حتى وان كان مطعما للوجبات السريعة، لإثبات أن مطاعم الوجبات السريعة هي للثقافة أيضا وليست لالتهام الأكل فقط بل وللكتابة ولالتهام الكتب والصحف والمجلات ولكن بقراءتها وليس بأكلها.