مخلد الشمري
أعجبت باسم الرئيس الفرنسي العظيم الأسبق الجنرال شارل ديغول، قبل أن أعجب وأنبهر بشخصيته الفذة وصورته وقامته المهيبة بالبدلة العسكرية وبالذات لحظة رفعه لعلم وطنه فرنسا فوق قوس النصر بباريس بعد تحريرها من دنس قوات الديكتاتور هتلر، وإن كانت قمة إعجابي بشخصية «صانع التاريخ هذا» هي عندما أعطى درسه الكبير في الكبرياء باعتزاله وانسحابه من الحياة السياسية الفرنسية للأبد رغم حصوله على نسبة 67% في الاستفتاء على شعبيته وعلى مدى قبوله من قبل مواطنيه وهي نسبة كبيرة بالمقياس الانتخابي الأوروبي وليس العربي، معتبرا أن نسبة 33% من الرافضين لسياسته من مواطنيه تعد سببا كبيرا للانسحاب الأبدي والنهائي من الحياة السياسية.
أما أروع ما في شخصية الجنرال شارل ديغول، فهو الجانب الإنساني منها، حيث يذكر ابنه الوحيد الأدميرال فيليب ديغول، في ملخص قرأته لكتاب ألفه عن والده أسماه «ديغول والدي»، ان الجنرال رزق بابنتين، احداهما اسمها «آن» كانت ولدت معاقة «منغولية» وعاشت من عام 1928 حتى العام 1948، أحبها الجنرال ديغول كثيرا ولم يفرق بينها وبين إخوانها الأصحاء واعتبرها هدية من الله ليمتحنه، وكانت أحلى أوقات الجنرال هي تلك الأوقات التي يقضيها معها، يلاعبها ويغني لها ويسمعها الاسطوانات الغنائية، رغم انشغاله الكبير والتزاماته الكثيرة والمهمة، خصوصا خلال فترة الاحتلال النازي لفرنسا، بل كان اول شيء يفعله الجنرال عند عودته من المعسكر هو التوجه لسريرها ومداعبتها وتقبيلها في فترة لم تكن بها عادة تقبيل الأطفال قبل النوم سائدة، وهذا يعكس عناد الجنرال وإصراره على رفض واقع المأساة التي كانت تهز كيانه في الصميم!
إنه فعلا جنرال حقيقي، وبطل تحرير حقيقي، وإنسان حقيقي. وهذا جزء من الصفات الحقيقية لمن يصنعون التاريخ، والذين لم يظهر منهم أحد في منطقة 99.99 العربية، السعيدة بخيباتها!