الثورة الفرنسية ـ كما كنا نقرأ فيها ـ قامت على مبدأ الدعوة للحريات العامة، والاتحاد الأوروبي جعل من مبادئه الكبرى تشجيع الحريات والدعوة لتطبيقها، أما أميركا فقد ادعت ان تطبيق الحريات والديموقراطية كان واحدا من أهم أسباب احتلال العراق وأفغانستان.
أميركا والأوروبيون ـ بصفة عامة ـ يصفون إسرائيل بأنها الدولة الوحيدة التي تطبق الديموقراطية من بين دول عربية لا تفعل ذلك!
الحديث عن الحريات وأهميتها وادعاء تطبيقها ليس حكرا على الحكومات وحدها، فالأحزاب كلها تقول ذلك، والمسؤولون في مختلف أجهزة الإعلام يرددون القول نفسه، وكل المسؤولين على اختلاف مناصبهم يؤكدون ان من مبادئهم إعطاء الحريات لموظفيهم دون تفرقة بين هذا وذاك.
لكن الحقائق التي تطفو على السطح تقول ان كثيرا من تلك الادعاءات ليس صحيحا على اطلاقه، ففرنسا قبل أيام أوقفت بث قناة «الأقصى» على قمر «يوت سات» بدعوى ان قناة «الأقصى» تحرض على الكراهية!! بطبيعة الحال المسؤولون في المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في فرنسا لا يريدون أحدا يحرض على كراهية الصهاينة! لا يريدون من شعب مقهور محتل يتعرض للاضطهاد اليومي أن يتحدث عن مستعمريه كما هم حقا!
الفرنسيون وتحت ضغط الصهاينة اتخذوا هذا القرار، ولو كان عندهم شيء من الانصاف او تطبيق بعض ادعاءاتهم في تطبيق الحرية لأوقفوا القنوات اليهودية لأنها هي التي تحض على الكراهية والتمييز العنصري، لكنهم أغمضوا أعينهم عن ذلك كله!
الفرنسيون اضطهدوا بعض كبار علمائهم لأنهم قالوا ما يعرفونه عن الصهاينة، واستخدموا ضدهم سلاح «السامية» وتناسوا دعواتهم للحريات العامة وانها من أهم أجزاء ثقافتهم.
قناة «المنار» هي الأخرى تعرضت للحجب، ومثلها بعض القنوات الإسلامية، وقد مارس بعض الأوروبيين والأميركان هذه المهمة والسبب هو السبب: هذه القنوات تدعو للكراهية!! وكراهية مَنْ: الصهاينة المعتدون!! ومرة أخرى.. أين حرية التعبير عن الرأي؟!
عندما هوجم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ووصف بأبشع الصفات قالوا: هذه حرية رأي لا نستطيع منعها! ولكنهم يقتلون هذه الحرية عندما ينتقد البعض اليهود! الأميركان فصلوا «هيلين توماس» مع علوّ مكانتها لأنها طالبت اليهود بأن يعودوا من حيث جاؤوا، ولم يكتفوا بذلك بل شنوا هجوما شنيعا عليها! وتناسى القوم حديثهم عن حرية التعبير!
مجموعة من الكتّاب الغربيين يطالبون باستمرار بعودة المهاجرين الذين يحملون الجنسيات العربية إلى بلادهم الأصلية ولا أحد يتحدث عنهم أو ينتقدهم!
إسرائيل تتحدث بصراحة عن نيتها طرد الفلسطينيين وهم أصحاب الأرض لكي تكون إسرائيل يهودية خالصة! ولم نسمع من دعاة الحرية الرسميين عن شنّ حملات عليهم من أي نوع!
الشواهد كثيرة، وفي ظني انها لن تتوقف ما لم يتحرك العرب والمسلمون لإيقافها.
مطلوب من الصحافيين ومن المسؤولين في أجهزة الإعلام ان يضغطوا بقوة لإيقاف هذه الممارسات التي تتنافى مع أبسط قواعد حرية التعبير، ومطلوب من الفضائيات العربية أن تقف الموقف نفسه لأن ما أصاب تلك القنوات قد يصيبها في يوم ما، ومطلوب أيضا معاملة بالمثل لكل من يسيء إلينا بأي صورة كانت.
كثيرون هم من يقفون ضد حرية التعبير إذا كانت لا تتفق مع مبادئهم، إسلاميون وغير إسلاميين، نشاهد هذا في القنوات الموصوفة بـ «الإسلامية» كما نشاهده في القنوات الموصوفة بـ «الليبرالية»، وأيضا أستطيع ان أقول الشيء نفسه في وسائل الإعلام الأخرى.
أتفق مع القول الذي يذهب الى انه ليست هناك حرية مطلقة، وان الحريات يجب ان تكون منضبطة في إطار لا يسيء فيه احد الى احد ظلما ودون وجه حق، لكن استغلال هذه الضوابط ـ عند من يراها ـ ينبغي عدم التوسع فيه بحيث نصل في نهاية المطاف الى تقييد الحرية بصورة كبيرة لا تتفق مع أهميتها في تحسين حياة الناس.
ان ما فعلته فرنسا وغيرها يعد خروجا كبيرا على أبسط قواعد حرية التعبير التي أقرتها معظم القوانين والدساتير العالمية والتي يدعي أولئك القوم انهم أهلها المنادون بها في كل مكان!
[email protected]