مجموعة كبيرة من وزراء الثقافة العرب ومسؤولين آخرين اجتمعوا في «الدوحة عاصمة قطر» ليتدارسوا هموم الثقافة العربية وآلية تحسينها في بلادنا العربية.
واصدر الوزراء بيانا عرف بـ «بيان الدوحة» اصدروا فيه توصيات في غاية الاهمية، اعتقد انها ـ لو طبقت ـ لتغير وجه العرب كله، سياسيا واقتصاديا، وثقافيا، ولأصبحت لهم مكانة اخرى تتلاءم مع امكاناتهم الحقيقية التي اضاعوها!
اوصى الوزراء بالتمسك بحرية الرأي والفكر والتعبير، وهذه توصية رائعة، ولكن السؤال: لمن هذه التوصية؟ هل سيسمح وزراء العرب بممارسة حرية الرأي والتعبير؟!
بعضهم يرأس الاعلام والثقافة، وبعضهم يرأس الثقافة فقط، لكن له نفوذ في الاعلام فهل سيمارس كل منهم دوره في السماح بحرية الرأي والفكر والتعبير؟! وهل ستتاح هذه الحرية ـ ان وجدت ـ لكل اطياف المجتمع ام ستكون حكرا على طيف معين؟! ثم هل سيكون للحرية سقف واضح المعالم يعرفه الجميع ام ان هذا السقف سيكون مطاطا بحسب المقاسات التي يريدها البعض؟! هذه مسائل في غاية الاهمية لعلنا نرى لها حضورا عندما يعود الوزراء الى بلادهم.
من التوصيات كذلك، التأسيس لثقافة التسامح واحترام الآخر مهما كان مختلفا عن سواه.
الحديث عن ثقافة التسامح امر في غاية الاهمية، ومجتمعاتنا في امسّ الحاجة اليه، فنحن ينبغي ان نتسامح بعضنا مع بعض، كما نتسامح مع الآخرين الذين يختلفون معنا في الدين او المذهب.
ولكن ماذا تفعل مع الذين لا يتسامحون معنا؟! مجموعة من حاخامات اليهود يطالبون بإبادة العرب جميعا، بعضهم يفتي بقتل اطفال فلسطين، وطرد الجميع من بيوتهم! ماذا نفعل مع هؤلاء وكيف نتسامح معهم؟! بعض النصارى يحرقون قرآننا ويسخرون من رسولنا.. فهل مثل هؤلاء يمكن ان نتسامح معهم؟! البعض يحتل بلادنا ويقتل رجالنا ونساءنا ويحرق ارضنا.. قولوا لي: هل من سبيل لكي ننسى ما فعلوا بنا؟!
ليت وزراءنا القيمّين على الكلمة في بلادنا ان يعملوا برامج لشبابنا لكي يعلّموهم من هم الذين يجب ان نتسامح معهم، ومن ينبغي ان نعاملهم بالمثل.
لو فعلوا ذلك لقدموا بشبابنا خيرا كثيرا، ولحموهم من كثير من الانحرافات التي انحرفوا اليها.
تحدث وزراؤنا الكرام عن دعم المؤسسات الثقافية وكذلك المبدعون والكتاب، وعللوا ذلك بأن هذا الدعم هو السبيل الوحيد الى تحقيق اسهام عربي فاعل في زمن التكتلات الاقليمية وفي زمن التحديات الكبرى في عصر العولمة.
أتفق معهم في كل ما قالوه.. ولكن كيف السبيل الى ذلك ونحن ـ وهم ـ يعلمون ان الكتاب في الدرك الاسفل من سلم التقدير الحكومي، ومثلهم العلماء والمبدعون ومن على شاكلتهم! لن اطالبهم بان يطالبوا بمعاملة الكتاب والمبدعين بمثل معاملة المغنيين ولاعبي الكرة، يكفي ان يكونوا مثل معشار معشارهم، أو اقل من ذلك.. ان الواقع مؤسف للغاية ومن اجل ذلك رأينا ان العلم يتناقص، وان طلابه ينفضون عنه!
كيف يمكن ان نحترم العلماء ولغة العلم لا قيمة لها في بلادها؟! اللغة العربية في بعض بلادنا تحتل الدرجة الرابعة، وفي البعض الثالثة أو الثانية! لغة الشارع في بلاد عربية اخرى ليست اللغة العربية! اما العامية فحدث عن انتشارها في كل مفاصل حياتنا ولا حرج! الفنادق تتحدث بغير لغة العرب، وكثير من المحلات والشركات الكبرى لا تكتب بلغة العرب، وقل عن مثل هذا الكثير، فكيف يستطيع وزراؤنا الافاضل التعامل مع هذه القضية الشائكة؟! وهل سيجدون من يدعمهم لتحقيق انتشار لغة العرب في كل حياتنا؟! لست ادري!
الوزراء الكرام تحدثوا عن اهمية تفاعل العرب مع العصر والفكر الآخر لا الاستعارة منه وتقليده!
جميل ان يتفاعل المثقفون العرب مع كل معطيات عصرهم، وجميل ـ ايضا ـ التعاطي مع الفكر الآخر وليس تقليده! ولكن هذا التفاعل يحتاج الى معطيات كثيرة اهمها ان يقتنع المثقفون ـ أو معظمهم ـ بأن لديهم كنزا عظيما يتمثل في تراثهم ولغتهم ودينهم، وانهم يجب ان ينظروا الى هذا التراث قبل ان ينظروا الى سواه، وان يفخروا به قبل ان يفخروا بغيره، ثم يبحثون في تراث الآخرين عن كل ما يفيدهم فيأخذون منه.. أليس من المؤسف ان نجد بعض دعاة الثقافة يسخر من تاريخ امته وحضارتها ودينها؟! أو ليس من المخجل ان يدعو البعض الى الارتماء في احضان الغرب واخذ كل شيء عندهم مهما كان متناقضا مع ثوابتنا؟!
وفي البيان التفاتة طيبة الى القدس وحضارتها وثقافتها، ودعوة الى حمايتها من الانتهاكات الصهيونية التي عملت ـ وما زالت ـ على طمس هويتها الثقافية، مرة اخرى.. ولكن كيف؟! هل يملكون شيئا امام عجرفة الصهاينة واصرارهم على تهويد القدس وطمس هويتها العربية الاسلامية؟!
أشكر كل الوزراء على هذه التوصيات، واشكر لدولة قطر احتضانها هذا اللقاء الثقافي الجميل، ولكني ـ أيضا ـ اتمنى منهم الا يكتفوا بتلك التوصيات، بل يعملوا بكل الوسائل لكي يراها كل عربي حية امامهم.
[email protected]