نادرة جدا هي الأمور التي يُجمع عليها اللبنانيون في السياسة على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، لكن أحدها بلا شك محبة وإجلال صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد.
من جهة، ينبع هذا الدافع من كون الكويت لم تتوقف منذ ستينيات القرن الماضي عن دعم لبنان على كل الصعد، ومن جهة أخرى، يستند إلى عامل شخصي يتعلق بشخص صاحب السمو تحديدا، وما خصصه من وقت خلال مسيرته الديبلوماسية التاريخية من أجل لبنان وقضاياه وعدم تمييزه بين أي من مكوناته المتعددة طائفيا ومناطقيا.
وتجلى هذا الموقف الثابت بأبهى صوره خلال رئاسة صاحب السمو للجنة العربية السداسية التي مهدت لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1989، وكان سموه في حينه يتولى منصب نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية الكويت.
خلال توثيقي لعمل هذه اللجنة من خلال ما نشر عنها في فترة عملها (يناير ـ يونيو 1989) في كتاب «أمير السلام.. توثيق لعمل اللجنة العربية السداسية برئاسة الشيخ صباح الأحمد لحل الأزمة اللبنانية 1989»، استعرضتُ المراحل الخمس لعمل اللجنة التي التقت أولا في تونس، التي كانت مقرا للجامعة العربية، رئيسي الحكومتين المتنازعتين آنذاك: العماد ميشال عون (رئيس الجمهورية الحالي) والرئيس سليم الحص (ومعه رئيس البرلمان حسين الحسيني)، ثم وفي خطوة غير مسبوقة تمكن صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد من ان يجمع على أرض الكويت رؤساء الطوائف الروحيين الذين لم يتسن لهم ان يجتمعوا طوال 14 سنة من الحرب في المرحلة الثانية لعمل اللجنة، فكان وجودهم معاً مشهد وحدة مبشرا بالخير وبرغبة اللبنانيين في العيش المشترك.
ثالثاً: توجه سموه إلى تونس مجددا، حيث اجتمع برؤساء الحكومات والبرلمان السابقين، ثم في المرحلة الرابعة التقى في منزل سفير الكويت في سورية قادة الحركة الوطنية التي كانت تضم القوى الإسلامية وتلك المؤيدة لدمشق، وأخيرا في المرحلة الخامسة اجتمع في الكويت بوفد من الجبهة الوطنية التي تمثل الأحزاب المسيحية المناوئة للوجود السوري.
أثبتت تلك الاجتماعات وقوف صاحب السمو على مسافة واحدة من كل اللبنانيين، وعبّر سموه عن رؤيته في أن لبنان يستقر عندما يُحلّق بجناحيه المسلم والمسيحي معا، فاكتسب ثقة الجميع.
وبعدها كان لبنان أول دولة تندد وترفض الغزو العراقي الغاشم للكويت عام 1990.
مع هذا النموذج في الوفاء والمحبة والسعي الصادق والدؤوب الى السلام الذي جسده صاحب السمو واستمر ببذله بعد توليه مسند الإمارة وزيارته الى لبنان في العام 2010، حيث مُنح «قلادة الأرز» من الرتبة الاستثنائية كأول قائد عالمي يحصل عليها، كان صادما ان يخرج أحد الإعلاميين اللبنانيين ويتفوه بكلام مسيء الى مقامه، فيما بدا انه أعلى درجات نكران الجميل، فضلا عن افتقاده المصداقية في الرواية المغرضة التي نقلها.
لكن في المقابل لم يكن من المستغرب مطلقا الإجماع اللبناني في الرد على الكلام المرسل وقطع الطريق أمام أي محاولات لضرب العلاقات اللبنانية ـ الكويتية أو هزّ الصورة الناصعة والراسخة لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في وجدان اللبنانيين والتي كما أسلفنا لا تستند الى مجرد أقوال وإنما إلى أفعال تاريخية مشهودة.
بصوت موحد قال اللبنانيون بالأمس: لا تؤاخذنا يا صاحب السمو وستظل مكانتك ومحبتك في قلوبنا كما كانت على الدوام في أعلى المراتب، ومن أراد الإساءة لمقامك انقلب عمله عليه، فتحولت محاولة الإساءة الى تظاهرة تعبر عن الحب والوفاء للكويت وأميرها، قائد الإنسانية وعميد الديبلوماسية وشيخ الحق والحكمة.