كتب عالم الانثروبولوجيا الاسكتلندي الكبير جيمس فريزر في كتابه المهم «الغصن الذهبي»: كم سيكون مفجعا أن تكتشف الأجيال القادمة مدى سيطرة الخرافات على العلم، ومدى تعنت الأساطير وجبروتها في الدفع والتحكم في حركة التاريخ.
****
أنهيت قبل أيام قراءة كتاب «مدخل لدراسة الفلكلور والأساطير العربية» للباحث المصري شوقي عبدالحكيم، خرجت منه بعدة استنتاجات أهمها أن الخرافة لاتزال تحتل جزءا كبيرا جدا من ثقافتنا العربية.
والأهم أن هناك - حسب المؤلف - أساسا أسطوريا وفلكلوريا عقائديا ولاهوتيا (= دينيا) مشتركا لأغلب الشعوب العربية، بل والسامية كلها منذ أكثر من ألفي عام قبل الميلاد، فيما بين النهرين والجزيرة العربية والشام ومصر وشمال افريقيا، أي في منطقة الشرق الأوسط بمصطلحات اليوم، وهو ما تؤكده الدراسات الفلكلورية والأسطورية المقارنة، والتي تشير إلى أن الميثولوجيا (= الأسطورة) العربية تضرب بجذورها إلى 6 آلاف عام مع السومريون.
يكشف لنا شوقي عبدالحكيم التجانس والتشابه الكبير بين أساطير وفلكلور (الفلكلور هو الأدب الشفاهي غير المكتوب) شعوب هذه المنطقة بشكل لافت، من جنوب الجزيرة العربية في اليمن والحجاز إلى مصر الفرعونية إلى الآشوريين في سورية إلى السومريين في العراق إلى السودان وليبيا وغيرها، بكل ما فيها من «خزعبلات» الجن وقوى الطبيعة الخارقة «التي ما تزال متواترة، تفتك في عضد العقل الغيبي والأسطوري العربي، بما يعوق كل محاولات الأخذ بشعارات «العقلنة» وبناء طاقات الانسان العربي الذي أصبح يعاني أزمة حضارية محققة».
****
مخطئ من يظن أن الأساطير والفلكلور مجرد حكايات من بقايا الماضي، بل هي «ماض حي» كما يقول شوقي عبدالحكيم، تخبرنا عن «شعب ما» كيف كان يعيش ويتفاعل بكل ما فيه من مكونات وأنساق ومنطلقات: لغة، عادات، علاقات قرابة، محرمات (تابو)، ذاكرة جمعية، روحانيات، فنون، تقاليد، ألعاب أطفال، رموز وطوطم.. الخ.
كتب شوقي عبدالحكيم «خلاصة القول انه قد تعارف علماء الفلكلور والانسانيات على النظر ودراسة عالمنا العربي كمنطقة متجانسة التراث، تعرف بمنطقة الفلكلور والأساطير السامية، والسامية هنا تعريف لغوي - اثنولوجي - أكثر منه تعريف جنسي، بمعنى أنه يتمثل في الأصول اللغوية المتجانسة أو الواحدة التي تصل روافدها المبكرة إلى عشرات ومئات اللهجات، والتي اكتملت اليوم في العربية والعبرية وبعض السريانية».
****
ما بين السويد والتشيك وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا من الفوارق ما بين السماء والأرض، في اللغة والدين والعرق والعادات والفنون وغيرها، ومع هذا تجمعهم مصالح العيش المشترك بسلام في الاتحاد الأوروبي، بينما تجمعنا نحن الشرق أوسطيون عموما، والعرب خصوصا عشرات العوامل، من لغة ودين وعرق وعادات.. وحتى فلكلور وأساطير، لكننا لا نزال نتقاتل على كل شيء، على سباق خيول قديما ومباراة كرة قدم حديثا، على طوطم قديما وعلى معصومين حديثا.. فأي بؤس هذا؟!
[email protected]