إن التجربة التي مر بها العالم بسبب جائحة كورونا كانت سببا في تخبطات كثيرة وفي دول عديدة، ومن أحد أخطر القرارات الكارثية المناداة بعدم لبس الكمام في بداية الجائحة، ما أسهم في سرعة انتشار الفيروس بين الشعوب المختلفة، إنها تجربة مريرة بمعنى الكلمة، راح ضحيتها قرابة ثلاثة ملايين إنسان، ومازلنا في خضم هذه التجربة التي أسهمت في فرض أجندات وغيبت أخرى.
ولا يوجد إنسان على كوكب الأرض لم يتأثر بتبعات هذه الجائحة اقتصاديا ونفسيا وسلوكيا.
الكويت كحال كثير من الدول التي عانت من هذه الجائحة في قطاعات عديدة وعلى أصعدة متنوعة من أهمها الصعيدان الاقتصادي والتعليمي.
ولعل ثقل المعاناة على الصعيد الاقتصادي والتعليمي هو بسبب تراكمية الفشل، وغياب الكفاءة في الخطط والإجراءات المتخذة.
توقف التعليم في الكويت من شهر مارس إلى شهر أغسطس بالنسبة للصف الثاني عشر، وإلى شهر أكتوبر لباقي المراحل وهي مدة طويلة جدا، ولم يسبق لأبنائنا أن مروا بهذا التوقف من قبل، وحتى أثناء الغزو التحق الكويتيون في الخارج بالمدارس ولم يتركوا مقاعدهم الدراسية.
إلا أن الكارثة بالقرار لم تتوقف على تعطيل التعليم، بل تعدته لتخبطات بالقرارات الفنية تسببت في تيه لا مثيل له لدى الجميع - أولياء أمور، معلمين، إدارات مدرسية - في حقبة اتسمت بالتردد في القرار.
حقبة أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن أسلوب اختيار القيادات في الكويت ليس موفقا، وأن مدة البقاء بالجهاز وطول العمل الفني ليست دعامات أساسية للنجاح في القيادة.
فمن أفنى أغلب حياته في الوزارة فشل في توضيح أبسط التفاصيل الفنية، والتربوية، والفلسفية.
كما أضافت هذه التجربة المريرة علينا، أن من يحسن التكلم وصف العبارات بالعادة لا يجيد العمل الميداني، وان المتردد ليس رجل دولة، وان الشاعر والشعر يغوي ويضلل ولا ينقل حقيقة.
ومن الملاحظات الشخصية، يمكن لي أن أختصر قصة الفشل التعليمي التي مرت بها الكويت بأن القيادي الفاشل لا يجلب إلا من يظهر فشله كتميز! إن ثمن تلك التعيينات التي جرتنا إلى قاع من التخلف الإداري والفني والمالي ورسخت لدينا سلوكيات تهدد كيان الدولة واستمراريتها وازدهارها.
تعاني الكويت في كل مناحيها بسبب الاختيار السيئ للقيادات التنفيذية التي يفترض أن تمثل اليد المنفذة والمشرفة على التفاصيل الصغيرة.
إن مثل تلك السلوكيات في تعيين القياديين يهدد مستقبلنا ووجودنا، لذا يجب أن تحدث ثورة إدارية معمقة تكون المحاسبية الإدارية أساسها، وهنا يجب أن نغير مفهوم التعيين في المناصب القيادية لتكون بتجديد سنوي يعتمد على تقارير الأداء - تقارير جهاز متابعة الأداء الحكومي- ولا تخضع تلك التعيينات أو التجديدات لمزاجية ورغبات الوزراء.
وهنا يجب أن نسلط الضوء إلى حقيقة مفادها أن القيادي لا يلزم أن يكون ذا خبرة في ذات الجهة بل يجب أن نبحث عن عاملين أساسين في أي قيادي وهما: 1 - الرغبة في العمل، و2 - القدرة على العمل، وبهذين العاملان تفاصيل كثيرة منها ما يجب أن يعتنى بها جيدا قبل التكليف.
إن التعليم يعاني ومنذ سنوات، ولكن ما عاناه التعليم خلال سنوات الست السابقة يعادل معاناة عقود كثيرة، وذلك بسبب الرغبة الجامحة لدى تجار التعليم في السيطرة على القرار التعليمي والتربوي في الكويت.
malsharija@