كما تناولنا في المقال السابق الذي شرحت فيه الحاجة لتسريع وتيرة إصلاح المسار لضمان مستقبل مستقر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا للكويت، وأشرت في ذلك المقال إلى أن الهدف من هذه السلسلة من المقالات هو تسليط الضوء على بعض المهددات التي تحتاج الى إجراءات ومعالجات سريعة حتى لا يتعاظم شأنها وتتوسع أبعادها، ومن المهم تذكر أن كل هذه المهددات من مسببات أو مغذيات مشكلة أعظم وهي مشكلة البطالة بما تحمله من تبعات اجتماعية واقتصادية وأمنية.
وفي هذا المقال، سأناقش حقيقة عدم انضباط مؤسسات التعليم ما بعد الأساسي من حيث القبول والتأهيل، وكذلك تواضع الأداء العملي والمعرفي فيها.
تتسم البرامج التعليمية والتدريبية في مؤسسات التعليم ما بعد الأساسي بالرتابة والجمود وعدم مواكبة المستجدات العلمية والمعرفية، بل إن أحد المسؤولين في مؤسسة تعليمية عليا يقول: إن تعديل وتحديث المناهج والمواد والسجلات التعليمية يمر بدورة مستندية تحتاج إلى سنتين وأكثر حتى تُقر، وإذا استرجعنا حقائق علمية تتعلق بالنمو المعرفي، حيث أشارت الدراسات العلمية أن المعرفة تتضاعف كل (12) شهرا، وسوف يوصل هذا النمو حتى يكون هناك تضاعف كل (72) يوما، وحديثا توقعت دراسة من شركة IBM أن تتضاعف المعرفة كل (12) ساعة بسبب تطبيقات إنترنت الأشياء.
وهنا نتعرف على عجز مؤسساتنا عن مواكبة هذا النمو المعرفي الذي يمثل عصب الحياة في عالمنا الذي نعيشه، وبعبارة أخرى فإن أغلب برامجنا في مؤسسات التعليم ما بعد الأساسي لا تلبي الطموح ولا تقدم الحدود الدنيا من الاحتياج المعرفي المواكب لمجريات التطور العلمي.
إلى جانب وجوب تحليل عمليات القبول في التخصصات والتي يغلب عليها الطابع العشوائي وليست مبنية وفقا لاحتياج فعلي لسوق العمل. على سبيل المثال، تطور أعداد الخريجين من كليات التربية بين العام الدراسي 2007/ 2008 كان عدد المعلمين في التعليم العام (40500) معلم ومعلمة تقريبا، بينما اليوم عددهم يصل إلى (73000) معلم ومعلمة بنسبة نمو تقترب من (70%)، ولقد كانت نسبة الطلاب لكل معلم في سنة 2001 /2002 (13.6) طالبا لكل معلم، بينما هي الآن (5.5) طلاب لكل معلم، كما أن عدد الطلاب في كليات التربية يتجاوز رقم (25000)، والذي سيتجه جلهم إلى وزارة التربية للتعيين وهو ما يمثل عشوائية وعدم انضباط وهدرا ماليا واضحا يخل بكفاءة النظام التعليمي في مرحلة التعليم الأساسي. وهذه الملاحظات لا تتوقف عند تخصص التربية بل تتجاوزها لتشمل التخصصات الهندسية والشريعة وغيرها كثير.
وفي الوقت نفسه يجب ألا نغفل حقيقة أن أغلب هؤلاء الخريجين سيتجهون إلى الوظيفة الحكومية التي هي الآن في حالة بطالة مقنعة والتعيين فوق الاحتياج، وكل هذا يحتاج الى تصحيح وترشيد ودراسة لتحقيق الفائدة الاستثمارية لمثل هذا الإنفاق.
dralsharija@