نافع الظفيري
لم تكن الكويت، في يوم من الأيام، بمعزل عما يدور من أحداث وقضايا، كما انها ليست بمنأى عما يتعرض له العالم من أزمات متجددة ومتلاحقة، ولا مفر أمامنا من التعايش والتعامل مع هذا الواقع، فقد سيطرت أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار العالمية على مجمل الأحداث والاهتمامات، وباتت في مقدمة الأزمات الراهنة التي تجتاح العالم، فقد هبت المؤسسات الكويتية التنفيذية والتشريعية والأهلية، في فزعة كبيرة، كثفت فيها جهودها، واستنفرت أدواتها وسلطاتها لمعالجة تداعيات أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار على المواطنين والمقيمين، واضعة في اعتبارها ان هذه الأزمة قائمة ومازالت مستمرة، وتفرض علينا في الكويت، مثل باقي دول العالم، ان نتعايش معها لفترة معينة من الزمن، وباعتبار ان مواجهتها مطلب وطني يقتضي مواصلة اتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة والموضوعية.
عندما ظهرت مشكلة الغذاء على المستوى العالمي لم يكن بالحسبان ان تكون بهذا الحجم والثقل، بحيث تمثل أهم أزمة تواجه العالم في الوقت الراهن، فقد تعرض العالم للكثير من الأزمات والمحن والنكبات والحوادث التي هددت البشرية والبيئة والأمن والاستقرار، والمتمثلة في العديد من الأمراض الخطيرة كالايدز وجنون البقر وانفلونزا الطيور وأخيرا انفلونزا الخيول، ومن كوارث طبيعية كالأعاصير والسونامي والزلازل.. الخ.
ومشكلة بهذا الحجم والبعد لا يجوز ان نكتفي فيها بالمعالجة بالمسكنات التي ما ان يزول أثرها تعاودنا نتائجها مرة أخرى، فإلى جانب المعالجات الآنية لابد من معالجات بعيدة المدى تؤتي أكلها حين نجني ثمارها، فمن المعروف ان الكويت تعتمد في توفير جل احتياجاتها من السلع والمواد على الاستيراد الخارجي كمدخل أساسي لتوفير هذه الاحتياجات، ومن المفترض، اننا مادمنا نسعى لتنويع موارد الدخل، ان نسعى أيضا لتنويع مصادر احتياجاتنا من السلع والمواد بما يقلل من اعتمادنا فقط على الاستيراد، فالمثل الصيني يقول إنك إن تعطني سمكة فأنت تطعمني ليوم واحد وإن علمتني الصيد فأنت تطعمني إلى الأبد.
نريد من الدولة ان تعلمنا الصيد فتضمن لنا الطعام إلى الأبد.. ومن هذا المفهوم البسيط دعنا نركز على الحلول التي تصب في هذا المعنى، فلم يعد مفهوم الأمن يقتصر على حماية الحدود أو الأمان داخل الوطن، بل اتسع مفهوم الأمن ليشمل أيضا الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي..الخ، وخطط التنمية في الكويت تشمل الشق الاقتصادي والشق الاجتماعي.
لقد آن الأوان للكويت ان تعطي الاهتمام الكافي للاستثمار في الإنتاج الزراعي والغذائي، وكما دعا بيان الحكومة أمام مجلس الأمة إلى دراسة إمكانية مشاركة القطاع العام مع القطاع الخاص للاستثمار في هذا الجانب لضمان إمدادات الغذاء وتوفير الاحتياجات، ويدعم هذا الرأي ما نراه من اهتمامات من معظم دول العالم بالتركيز على الاستثمار الزراعي، حيث تتناقل وكالات الأنباء في الآونة الأخيرة سعي بعض الدول مثل الإمارات ومصر وليبيا للاستثمار في السودان بزراعة مئات الآلاف من الأفدنة بالقمح وبالمنتجات الزراعية باعتبار توفير المياه وخصوبة ومساحات الأرض المتوافرة بالسودان.
هذا إلى جانب تجارب الدول الشقيقة المجاورة مثل المملكة العربية السعودية فيما حققته في مجال تصنيع المواد والسلع والمنتجات الكثيرة والمتعددة التي تلبي الكثير من احتياجاتها واحتياجات المنطقة والتسويق على جميع المستويات، بالإضافة إلى تنمية مجالات الزراعة لديها لتوفير بعض الاحتياجات من المنتجات الزراعية بما فيها الخضراوات والفواكه وما إلى ذلك وهي تجربة جديرة بالاهتمام.
لا نبالغ عندما نسعى لتقليص اعتمادنا بالكامل على الاستيراد في توفير الاحتياجات، بأن تكون لدينا وسائل أخرى لتوفير الكثير من هذه الاحتياجات نثبت من خلالها قدرتنا على تحقيق طموحاتنا في تحقيق الأمن الغذائي والسلعي للكويت.