اطحن الدقيق، واعجن الطحين، واخبز العجين، وفي الأخير لا رغيف ولا خبزة يابسة فنعود مرة أخرى للأسطوانة ذاتها، وكأنها لم تمر علينا أبدا، فهذا حالنا يا معشر الكويتيين، «تحلطم بتحطم وفي الأخير طيح العشى»، كلام بكلام في كل شيء نوابغ، بل من هم النوابغ عندنا؟ ففي السياسة نتحدث وفي الاقتصاد نحلل، وبالتاريخ نسطر، وبالرياضة الله أكبر لا مثيل، فمشكلتنا نفسية لا عقلية أو فيزيائية فهذا حالنا، اسم الله يحرسنا.
قد أكون متجنيا نسبيا أو بعض الشيء، ولكن اسألوا يوما سؤالا سياسيا في مجلسكم عن أي قضية كانت، فستجدون أن الكل سيتحدث والكل دكاترة في العلوم السياسية، أو اسألوا في الاقتصاد فستكتشفون أن «نص ربعكم» خريجو «هارفارد» في الاقتصاد!
أو أقول لكم اسألوا في الكرة فستجدون شخصا ما يسوى دينار «خردة» ينتقد مدربا بملايين الدولارات لا ويعيب عليه، وتكتشون أنه لا يقول «أتصور» أو «يمكن» بل يؤكد انه مستعد أن يناظرك، فبكل شيء نفقه، ولا شيء نجهله، وهذا يدل على أننا لا نفقه شيئا، والأمثلة كثيرة ولكم حرية التطبيق.
إن من العجائب في الكويت أن تجد مقولة «فلان سرق» فأنا سأسرق، وكأن مسألة السرقة هي شرب «زقارة» لا أكثر، جنون في جنون المنطق، وحجج تعد من مهازل الحجج، وإذا خالفته صرخ بوجهك ليعطيك البراهين، والدلائل السمعية على أن الكويت كلها مجموعة حرامية، وهم يستغربون كيف هذا الأخ لم يحرك مخه ليسرق، فهذا المنطق هو أم الدواهي وثقافة كل حرامي أو من تحدثه نفسه بـ «الحرمنة» يكون هذا منطقه.. أجارنا الله من منطقهم.
غير أن المزعج اليوم عندنا هو بروز ظاهرة التعميم والاقصاء، فإذا أحججت أو تكلمت في شيء لا يفقهه محاورك، يقول لك وبكل برود هذا لا يجوز وهذا حرام لا لأنه حرام بل لأنه يجهله.
فكل أحاديثنا صارت نقاشات نريد دائما أن ننتصر لا لأن الحجة تنتصر بل «أنا أنتصر»، وذلك لأن آراءنا وأفكارنا تحولت لجزء لا يتجزأ من شخصيتنا النرجسية، فلذا لا نتحمل أي وجهة نظر مخالفة، ولا نتحمل أي رأي يعارضنا، فننتقد الحكومة ويا ويلك إن دافعت، وننتقد النواب إلا ابن العم «حدك وقف عندك»، بل نخلق رموزا واهية لنا فقط لأنها تتفق مع توجهاتنا فإن خالفتنا «راحت مراح جدي» وصارت لا تفهم! فهل هذه الظاهرة هي نتاج سوء تربيتنا لأبنائنا الذين لم نعلمهم آلية الحوار وديموقراطية الأفكار؟ وهل سنتحمل نتاج هذه الظاهرة واستفحالها في المستقبل؟ أم تتحملها الحكومة ووزارة التربية، أنها لم تغرس في أبنائنا قيم الحوار وآداب الكلام؟ الأسهل «نقطها» على الحكومة فنحن كالعادة لا نتحمل!
نص سالفة: كلما نظرت للفساد المنتشر في البلد سألت سؤالا واحدا: من السبب؟ فالبعض يقول الحكومة، والآخر يقول النواب، وهناك العادل الذي يقول الحكومة والنواب. والحقيقة فإن الحكومة تتحمل بنسبة 30% والنواب 20%، ولكن من يتحمل الجزء الأكبر أي 50% هو المواطن، فلا تشتكوا من الفساد وأنتم تركضون للتجاوزات، ولا تنتقدوا الحكومة وأنتم من يطلب الواسطات ليفسد النائب الحكومة أو الحكومة نظير ذلك تفسده، فأنتم أيها المواطنون السبب، فعندما تكونون خفراء على بلدكم وترعونه حق الرعاية انتقدوا، ولكن الآن لا، فقد تعلمتم الانتقاد وتكبير «المخاد» فكبدي عليك يا شعب.
[email protected]
twitter@oaltahous