أصبحت مصر الآن بلد الـ 80 مليون محلل سياسي، ولا يكاد يخلو حديث المحللين الذين تقابلهم في الشارع أو التاكسي أو على المقهى أو على صفحات الجرائد أو على شاشات التلفزيون من عبارة «ونحن كثوار نرى..» أو «ومن وجهة نظر الثورة يجب...»، الجميع يتحدث باسم الثورة والجميع كانوا أول من نصب خيمة في ميدان التحرير، وكلهم كانوا أول من انتقدوا مبارك وهو على صهوة جواد الحكم وواجهوه بكل سوءات وتجاوزات فترة حكمه، بل ان الأغلبية ممن يعانون من أحلام اليقظة يقصون عليك بمناسبة وبدون مناسبة ويلات ما تعرضوا له في معتقلات النظام السابق. السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان الشعب كله ثوارا ويتحدث باسم الثورة، والإعلاميون كلهم كانوا ممن واجهوا النظام السابق وفضحوا جرائمه، فأين الفلول؟
الحقيقة التي يجب ألا نغفلها هي أن الثورات تأكل أبناءها ولا يركب صهوتها إلا من يرقصون على أشلاء أبطال غيروا وجه التاريخ وصنعوا لبلدانهم واقعا جديدا ملموسا ومستقبلا مشرقا مأمولا، وعلى من يختلف معنا أن يسأل نفسه عن موقع الثوار الحقيقيين في تونس وفي مصر واليمن وغيرها من بلدان الربيع العربي من صناعة القرار.
الرقص على الأشلاء حرفة لا يمتهنها إلا كل انتهازي، وصنعة لا يجيدها إلا كل ميكافيللي، الغاية عنده تبرر الوسيلة ولا صوت عنده يعلو فوق صوت المصلحة. بالانتهازية والميكافيللية والبرغماتية استطاعت تيارات الإسلام السياسي أن تجهض ثورات الربيع العربي وأن تحول الانتفاضات الشعبية المطالبة بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية إلى صبغة أيديولوجية ولون واحد من ألوان الطيف السياسي لا يصب إلا في صالح مشروع الاخوان الكبير بدولة من المحيط إلى الخليج.
يبدو أن د.محمد مرسي لم يتعلم من درس المحكمة الدستورية العليا التي ألغت قراره بدعوة مجلس الشعب المنحل إلى الانعقاد وها نحن مقبلون على أزمة قانونية ودستورية أخرى بعد اعتماده معايير تأسيسية الدستور. على د.مرسي أن يشغل نفسه بكيفية تحقيق وعود قطعها على نفسه أمام الشعب المصري، وتعهد بانجازها خلال الـ 100 يوم الأولى بدلا من الصراع على اختصاصات الرئيس مع المجلس العسكري. الشعب وليس غيره هو من سيمنحك الشرعية فابذل قصارى جهدك لتجعل الناس تلمس تغيرا ولو طفيفا في حياتهم اليومية وحينها ستجدهم هم من يقفون أمام محاولات إفشال تجربتك.
خلاصة الكلام
٭ أوصى أحد الأعراب ابنه قائلا: يا بني كن سبعا جالسا أو كلبا حارسا ولا تكن إنسانا أحمق.
٭ وقال أحد الفلاسفة: موت الجبان في حياته، وحياة الشجاع في موته، فموتوا لتعيشوا، فوالله ما عاش ذليل ولا مات كريم.
[email protected] - @osamadeyab