توقفت كثيرا عند دعوة تيارات الإسلام السياسي المصرية إلى المليونية التي روجوا لها طوال الأسبوع الماضي، بعنوان «مليونية تطبيق الشريعة»، والحقيقة أن جميع التيارات في مصر بمختلف انتماءاتها وألوانها وأطيافها لا تختلف على أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، وقد لا أكون مبالغا ان قلت ان أيسر المواد التي تم الاتفاق عليها بالإجماع كانت تلك المتعلقة بالشريعة الإسلامية، إلا أن الخلاف هو محاولة هيمنة هذه التيارات وفرضها تفسيرا بعينه وتجاوز وتجاهل مؤسسة دينية عريقة بحجم الأزهر الشريف.
مليونية امس، وإن لم يشارك الإخوان المسلمون فيها إلا أنها كانت تحظى بمباركتهم، كانت دعوة مشبوهة لسان حالها كلمة حق أريد بها باطل ومحاولة مكشوفة لتمرير الدستور عن طريق شيطنة التيارات المدنية وتصويرها في شكل المناوئ والمعارض لشرع الله، إلا أن الواقع هو أن تيارات الإسلام السياسي تحاول، كعادتها، أن تتملص من وعود وعهود قطعتها على نفسها في بداية انعقاد الجمعية التأسيسية للدستور مفادها أن تؤيد التيارات المدنية مادة الشريعة الإسلامية في مقابل أن تؤيد تيارات الإسلام السياسي المواد المتعلقة بالحريات والمرأة.
مليونية امس كانت محاولة للتشويش وإلهاء الناس عن مواد الحريات والمرأة التي ليست من ضمن أدبيات تيارات الإسلام السياسي ولا أقول الدين الإسلامي الحنيف الذي يشجع على الحرية ويعزز من مبادئها.
شاهدت «فيديو» قصيرا من داخل الجمعية التأسيسية للدستور ولكنه كبير في معناه ومغزاه ويعكس طريقة إدارة الحوار والنقاش داخلها فهناك حالة من الإقصاء المتعمد ضد التيارات المدنية وقلقها المشروع في ظل هيمنة التيارات الدينية التي اختطفت تأسيسية الدستور وتحاول من خلال التجييش الشعبي بالمليونيات والتظاهرات تمرير الدستور من دون نقاش أو تمحيص، في محاولات مفضوحة «لسلقه»!
ألا تعلم اغلبية الجمعية التأسيسية بانتماءاتها السياسية أن دستور 1923 استغرق إعداده عاما ونصف العام وتونس بعد مرور أكثر من عام على ثورتها لم تنته بعد من صياغة دستورها، لأنها تعمل على دستور للمستقبل ولا تفصل ثوبا على مقاس فصيل سياسي بعينه.
لن ترهبنا المليونيات ولن يختطف الدستور، ولكنني أدعو تيارات الإسلام السياسي إلى الكف عن الإساءة للإسلام في عيون الآخر الذي يتابعنا ويراقب ما يدور على ساحتنا، كما أدعوهم للتأسي بالأزهر الشريف كمؤسسة وسطية معتدلة سعت إلى نشر صورة جميلة عن الإسلام في كل أنحاء العالم.
وأؤكد لكم أن جمعة «تطبيق الشريعة» لن تأتي بأي جديد على الساحة السياسية في مصر، لأننا شعب مسلم وسطي يقبل التنوع ويعرف مبادئ التعايش، وللمرة العشرين الشريعة تاج على رؤوسنا جميعا ولكننا لن نخضع لتفسيركم لها ولن نقبل بأن تطوع الشريعة للحصول على مصالح شخصية تخدم فصيلا دون آخر، خاصة أن هناك جزءا كبيرا منها قائم على القياس والاجتهاد.
خلاصة الكلام: قال نابليون بونابرت: الديكتاتور هو الحاكم الذي يبدو أنه حائز ثقة الأمة وتأييد الرأي العام حتى قبل سقوطه بدقائق.
[email protected]
osamadeyab@