مع قدوم عام جديد نأمل أن يكون عام أمن وأمان لاسيما على المنطقة العربية التي لا تزال تأن من ويلات الحروب وكوارثها، فقد آن الأوان لمراجعة أوراقنا ولا يزال الملف السوري يتصدر أهم تلك الملفات الإقليمية والحديث حول التحالف الثلاثي المتمثل بالتركي ـ الروسي ـ الإيراني، ومدى صمود ذلك التحالف في مواجهة القادم الجديد والمتمثل في الإدارة الأميركية الجديدة!
فلا يزال العالم يعيش على أصداء اغتيال السفير الروسي اندريه كارلوف حينما كان يقوم بإلقاء خطاب في افتتاح معرض للصور في العاصمة التركية انقرة، حيث قام باغتياله حارس الأمن التركي والذي يقال انه مسرح من الخدمة الشرطية، آخذا بالتكبير مؤكدا أن الاغتيال انتقاما لمجازر حلب والدور الروسي في تلك المجازر الدموية، فما كان من الحراس الا ان قاموا بتصفيته هو الآخر في حين كان من المفترض الإبقاء عليه حيا للوقوف على أسباب ودوافع الاغتيال! لا سيما في ظل تنبؤ الكثيرين بأن ذلك الاغتيال قد يكون مدعاة لقيام حرب عالمية ثالثة، قياسا على الرد الروسي العنيف على تركيا في نوفمبر 2015 على اثر سقوط الطائرة الروسية، فما كان من روسيا الا انها أبدت الوعيد والتهديد كما فرضت حظرا اقتصاديا على كل المنتجات التركية ومنعت السياحة الروسية لتركيا، الا ان الأمر هذه المرة كان بمنزلة المفاجأة، فرد الفعل جاء متسقا من قبل كلا البلدين بضرورة العمل على المزيد من التنسيق، فهل كان السفير الروسي والحارس التركي قرابين التقارب الاقليمي؟!
في منتصف يناير المقبل سيتقابل مسؤولون روس وإيرانيون واتراك في استانا عاصمة كازاخستان بحضور ممثلي النظام السوري والمعارضة السورية في إطار اجتماع يطلق عليه اسم «خطوة بناء الثقة.. الخطوة المكملة لمسار جنيف»، وجاءت تلك المبادرة بناء على الطلب الروسي والذي بات يؤمن بأنه لا أحد يعطيك أي شيء، ولكن كل ما عليك فعله هو المبادرة والأخذ، فالروس أرادوا اختطاف الملف السوري شرقا بعيدا عن أعين الغرب ودون دعوة للحضور الأميركي.
فدول المنطقة لا تزال تنظر بتواضع الدور الأميركي في الأزمة السورية منذ بدايتها، فالرئيس الأميركي فضل تقديم الدعم اللوجستي وحروب الوكالة عن الإقدام مباشرة على إسقاط نظام الأسد، وحينما أدى ذلك لظهور الإسلاميين المتطرفين سعى للتحالف مع الأكراد لمحاربة الإسلاميين وإسقاط نظام اردوغان من خلال دعم حركة غولن وتشجيع الروس للدخول في المعادلة السورية، كان الأتراك سريعين في استيعاب تلك المتغيرات حيث سعوا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتي قامت ايضا بدور الوسيط لإعادة العلاقات الروسية- التركية، زادت قناعة الأتراك بأهمية التحالف التركي ـ الروسي في ظل قدوم دونالد ترامب المناهض للإسلام السياسي والحليف القوي للرئيس بوتين، والتالي فإن تجذير تلك العلاقة خلال هذه الفترة عملية استباقية لأي تحالف روسي ـ أميركي في المنطقة.
يخدم ذلك بأن ترامب لم يتمكن من طرح رؤية حقيقية للازمة السورية، فمقترحه لم يتعد عن حديثه حول إقامة مناطق آمنة في سورية وبتمويل خليجي، وهذا ما يفسر دعوة ذلك التحالف الثلاثي السعودية للانضمام الى هذا الحلف. يخدم هذه التحالف كذلك الموقف الإيراني، فبرغم من التقارب الإيراني - الأميركي خلال فترة الرئيس أوباما إلا ان هذا التقارب لن يستمر مع قدوم الجمهوريين، مما يعزز أي تحالف اقليمي ستكون روسيا فيه لاعبا رئيسيا.
لم يمض هذا التحالف دون كلفة باهظة تدفع من قبل كل الأطراف، وقد تكون اكثر الأطراف تأثرا الجانب التركي قبلة الإسلام السياسي المعاصر، فامام مذبحة حلب، علق بوتين قائلا: «كل شي تم بتنسيق كامل مع الجانب التركي»، تلك الحقيقة دفعت بآلاف الأتراك لقيادة التظاهرة الأكبر والتي سبقت بيوم واحد اغتيال السفير الروسي تحت نداء «الله أكبر».
[email protected]