تعتبر الحوكمة الرشيدة وتطبيق الشفافية ومكافحة الفساد أبرز المفاهيم والمؤشرات العالمية التي تسعى الأسرة الدولية لتبنيها، بدعم وضغوط العديد من المؤسسات الدولية، ولاسيما تلك المعنية بتعزيز العمل الديموقراطي والحقوق المدنية، والكويت ليست استثناء، إلا أن التجربة الكويتية مع هيئة مكافحة الفساد تكاد تشكل الاستثناء!
فقد استبشرنا خيرا حينما تجاوبت الحكومة بإنشاء هيئة مكافحة الفساد، إلا أن تبنيها عبر مراسيم الضرورة أثر على تواجدها القانوني، الذي أدى في نهاية المطاف الى تقويضها ومن ثم إعادة تبنيها بقانون وإقرار لائحة داخلية جديدة في نوفمبر الماضي، إلا أن إشكالية التبعية القانونية للهيئة لاتزال محل جدل المعنيين في العملين السياسي والتشريعي، وقد برزت تلك الإشكالية الجديدة مع بدايات تفعيل عمل مجلس أمناء الهيئة.
فقد تناقلت الصحف الكويتية أخبار خلافات الأمين العام ومجلس الأمناء، التي سعى الى حلها وزير العدل، من خلال اقتراحه لمجلس الوزراء بإحالة الجميع للتقاعد، إلا أنه فوجئ برد الفعل النيابي الذي طالبه بالتحقيق وتقديم المبررات الكافية التي تبرر تلك الإحالة وطبيعة الخلافات القائمة بين الأعضاء، وهي مطالب مهمة لإرساء قواعد راسخة في الرقابة وتحقيق أعلى درجات الشفافية في العملين النيابي والتنفيذي، وذلك لضخامة المسؤولية الملقاة على عاتق تلك الهيئة، والمتمثلة بإقرارات الذمة المالية للقياديين والتحقيق في قضايا الفساد وحماية المبلغ.
وبفعل ذلك الضغط النيابي، جاء الرد الحكومي بأنه «لا مانع من تبعية هيئة مكافحة الفساد لمجلس الأمة»! ذلك الانقلاب في الموقف يؤكد أن الرؤية الحكومية لاتزال غير واضحة إزاء الوضع القانوني لهذه الهيئة وتبعيتها، ما يدفعنا بالضرورة الى التأسي بالتجارب العالمية في تبني هيئات الرقابة ومكافحة الفساد.
مما لا شك فيه أن استقلالية هيئة مكافحة الفساد يجعلها بمنأى عن تدخلات أي أطراف كانت سواء من قبل الحكومة أو البرلمان، وبالإمكان أن توجد، تأسياً بتجربة ديوان المحاسبة الذي يعتبر ذراعا مهمة في رصد المخالفات ومتابعة معالجتها من قبل كل المؤسسات والوزارات والهيئات الحكومية، كما بالإمكان أن تخضع الهيئة لسلطة القضاء، فالقضاء كان ولايزال سلطة مهمة تفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
هيئة مكافحة الفساد جاءت نتيجة توقيع الكويت على البروتوكولات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد، كما أنها جاءت كتعبير عن رغبة القوى الوطنية والمخلصة، الساعية للنهوض بالمؤسسات الديموقراطية والرقابية في الكويت.
لهذا، فإن تبني الرؤية التي تضمن استقلاليتها ونزاهتها يصب في مصلحة الكويت داخليا وخارجيا، فالكويت فوق الجميع!
[email protected]