سامي النصف
نشرت جريدة الشرق الأوسط الغراء خلال الأيام الماضية محاضر التحقيق مع الطاغية صدام حسين، والحقيقة أن نظرة سريعة لما نشر تجعلك توقن بأن أجهزة كشف الكذب ستنفجر لو عرض أمامها ما يقوله القائد «الضرورة»، فبين كذبة وكذبة كذبة ثالثة تقفز بينهما ولو لم يفعل صدام موبقة واحدة في حياته فستكفيه تلك الأكاذيب لوضعه في الدرك الأسفل من النار.
فجيش الشاه الذي كان يملك من طائرات النقل أكثر مما تملك بريطانيا ولديه من طائرات الفانتوم والدبابات الأميركية والبريطانية أضعاف ما تملكه إسرائيل والذي تسبب بعض خبراء جيشه الذين أرسلهم لدعم الأكراد في استسلام كامل لصدام وعرضه إعطاء نصف شط العرب لإيران، أصبح ضمن تلك المذكرات أو التحقيقات المضحكة جيشا ضعيفا «هرعا» لا يستطيع الصمود أمام جيش صدام أكثر من شهر حسب قوله، ولو كان الأمر كذلك فلماذا لم يبدأ حربه على إيران إبان الشاه لا بعده؟!
وتاريخ حربه مع إيران الثورة، والذي يعرفه الجميع، أصبح يروى بشكل معاكس تماما، فإيران هي من غزت العراق وليس العكس، وما حدث عام 82 لم يكن هزيمة مروعة للجيش الصدامي بل كان انسحابا مشرفا، كما أن إيران هي من استخدمت السلاح الكيماوي ضد العراق وليس العكس في تلك الشهادة القريبة من «خليفة خليفوه» كما أن العراق حسب أقوال الرئيس «أبو لمعة» لم يكن في حالة مالية سيئة بعد انتهاء حربه مع إيران (تراكم على العراق بسبب تلك الحرب العبثية دين بأكثر من مائة مليار دولار) والجميع يتذكر أقوال صدام التسولية إبان قمة بغداد وبعدها على لسان مبعوثيه.
وفيما يخص الشأن العراقي لم يكن للحمل الوديع صدام أي ذنب في الدماء التي أسيلت والقتل المنظم الذي ابتدأ بالدائرة المحيطة به وانتهى بالمقابر الجماعية لملايين العراقيين، كما ذكر أنه يحب حياة البساطة في العيش والمسكن (لديه من القصور ما لا يملكه أحد في العالم)، كما ادعى أنه يؤمن بالديموقراطية وإنشاء الأحزاب إلا أن زملاءه الآخرين في القيادة ـ سامحهم الله ـ رفضوا ذلك وفرضوا عليه الخيار الديكتاتوري مرتين لا مرة واحدة.
وقال الكاذب صدام إن خشيته من إيران جعلته لا يمانع في قيام حلف عسكري مع أميركا لمنعها من غزوه بعد عام 1988، ولو كان الأمر كذلك فلماذا لم يعقد أو يقترح عقد معاهدة تحالف عراقية ـ خليجية ـ أميركية، بدلا من اتهام الكويت والإمارات بالتآمر مع أميركا للإضرار به، وكيف يصح قوله إن الكويت كانت تريد غزوه بالتعاون مع أميركا (!!) ولم يكن هناك جندي أميركي على أرضها قبل عام 90 كما ان حدودها مع العراق كانت شبه خالية من العسكر مما سهل غزوها، وقد كان مضحكا للغاية تشبيه الكويت بالجار الخطر المدجج بالسلاح الجاهز لغزوك لذا كان عليك أن تخرج وتبادر لغزوه.
ومن دعاواه الطريفة أن الكويت سرقت 2.5 مليار برميل من حقول الشمال ولن نتحدث عن حقيقة يعلم بها الجميع وهي أن الكويت كانت تهديه مع السعودية إنتاج نفط المنطقة المحايدة بأكمله الذي يقارب 400 ألف برميل يوميا، ونذكر حقيقة رقمية فحواها أن مستوى الإنتاج الكويتي من حقول الرتقة أو الرميلة لا يزيد عن 60 ألف برميل يوميا مما يعني حاجة الكويت للقيام بالسرقة اليومية لمدة تتجاوز 1157 سنة كي تستولي على 2.5 مليار برميل من تلك الحقول.
آخر محطة:
(1) في مكان آخر من التحقيقات يكشف صدام عن السر الرهيب لتصرفه المريب الذي كان يظهره وكأنه يملك أسلحة دمار شامل عبر طرد المفتشين الدوليين وتحديد تحركاتهم بقوله إنه لم يكن يريد أن تعلم إيران بأنه لا يملك تلك الأسلحة فتهاجمه وتسقط حكمه وهو ما تم على يد أميركا بسبب تلك التصرفات الغريبة والغبية والحمقاء. الأكيد أن لدى صدام صداقة وثيقة مع هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري، فهذه العقلية من تلك!
(2) ومما ذكره أنه لم يكن يعلم أن صاحبه طارق حنا عزيز مسيحي الديانة والأرجح أنه كان يعتقد وبحق أن بابا الڤاتيكان شافعي المذهب!