كان احد الشعراء قبيل أن ينام يعلق على باب غرفته لوحة مكتوبا عليها «الشاعر يعمل» في إشارة واضحة على أن الشاعرية تعمل حتى عندما ينام صاحبها الشاعر الذي قد يجد في الحلم ما يدفعه لكتابة القصيدة، ومثل الشاعر سائر من يعملون في مجال الآداب والفنون، من كتاب أو رسامين أو موسيقيين أو نحوهم ممن تشكل لهم ومضات الأفكار الخاطفة مولدا لمقال أو لوحة أو قصيدة أو معزوفة. هذا الوميض الذي لا يعرف احد موعد قدومه. فيمضي عمر الأديب أو الفنان وهو يتحين الموعد اثر الموعد، وكأنه صياد يتحبل الطرائد.
***
يعالج الطبيب في كل مرة مريضا واحدا، يرضى أو يعلن عدم رضاه عن العلاج، ومثله المهندس يبني منزلا يتناسب مع ذائقة شخص واحد وحاجاته، ومثلهما الحلاق يزين شعر رأس أو ذقن زبون واحد، أما الكاتب أو الشاعر أو الرسام أو الموسيقار فإن كلا منهم يصوغ عملا واحدا ليقدمه لآلاف، وربما الملايين من المتلقين في مهنة صعبة تزيد صعوبتها مع «المسكين» كاتب العمود الصحافي الذي قدره اللهاث في مضامير الأفكار، فلا يهدأ ولا يسكن، وكلما ترجل عن جواد امتطى آخر.
***
يحتاج المهندس إلى طاولته ومعداته ليمارس عمله، ومثله الطبيب يحتاج إلى عيادته وسماعته وأجهزته الطبية، وكذلك الحلاق بحاجة إلى صالون ومعدات الحلاقة. فالناس تأتي إلى المهندسين في مكاتبهم الهندسية، وإلى الأطباء في عياداتهم، وإلى الحلاقين في صالونات الحلاقة حسب العنوان. أما الفنانون أو الشعراء أو الرسامون أو الكتاب فإن نتاجهم هو ما يذهب إلى الناس، فهم يعملون في سائر الأمكنة والأزمنة، مشردون يسكنون خارج العناوين، يمشون خارج التقويم. ففي الأعياد يكتبون، وفي الاجازة يصوغون الأنغام، وفي المرض ينظمون قصيدة!
www.salahsayer.com
salah_sayer@