- عدم اتساق بعض أحكام قانون حماية المنافسة الذي أقره مجلس الأمة مؤخراً مع التوجهات الإصلاحية التي تتبناها الدولة
- العبرة ليست في عدد التشريعات التي تصدر بقدر موضوعية أحكامها وجودة مضمونها واتساقها مع البرامج الإصلاحية
بقلم: بدر مشاري الحماد... نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقاً)
baderalhammad.com
ارتكزت وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي التي تبنتها الدولة على عدة ركائز، وتهدف تلك الركائز الى معالجة عدد من المسائل الجوهرية منها الحد من الاعتماد الكلي على مصدر وحيد للدخل والمتمثل بمبيعات النفط، وكذلك تبني بعض البرامج التي من شأنها تنوع مصادر الدخل ووقف الهدر المالي بما يحقق التوازن الاقتصادي، الأمر الذي يتطلب معه تطبيق إصلاحات هيكلية وتشريعية ومؤسسية.
فمن جانب المصروفات، تضمنت الإصلاحات وقف انشاء أجهزة حكومية او هيئات عامة جديدة، وكذلك وقف التوسع في الهياكل التنظيمية، بالإضافة الى إلغاء عضوية الأعضاء المتفرغين بعد انتهاء مدتهم الحالية في المؤسسات والهيئات العامة.
إلا أن مجلس الأمة قد أقر مؤخرا القانون رقم 72 لسنة 2020 في شأن حماية المنافسة، والذي نشر بجريدة كويت اليوم بتاريخ الأول من نوفمبر 2020، بما لا تتسق بعض أحكامه مع التوجهات الإصلاحية التي تتبناها الدولة على النحو الذي أشرنا اليها.
فبعد أن كان الجهاز ملحقا بوزير التجارة والصناعة وفقا للقانون رقم 10 لسنة 2007 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 2012، وتدرج الاعتمادات اللازمة للجهاز المشار إليه ضمن اعتمادات الباب الخامس بميزانية وزارة التجارة والصناعة، أصبح للجهاز وفقا للقانون الجديد ميزانية مستقلة تدرج تحت قسم خاص بالميزانية العامة للدولة، كما استمر العمل بأسلوب الأعضاء المتفرغين في مجلس إدارة الجهاز.
وفي تعديل لافت على القانون السابق لجهاز حماية المنافسة فقد منح القانون الجهاز سلطة إقرار الهيكل التنظيمي للجهاز وإصداره بقرار من الوزير، كما منحه سلطة إصدار اللوائح المالية والإدارية المتعلقة بشؤون الموظفين دون التقيد بأحكام قانون ونظام الخدمة المدنية، وكذلك منح القانون الوزير تحديد المكافأة والمزايا المالية الأخرى للمدير التنفيذي للجهاز، وتلك السلطات هي أصلا سلطات مقررة لمجلس الخدمة المدنية وفقا للمرسوم بقانون 15 لسنة 1979 بشأن نظام الخدمة المدنية استنادا الى المادة 155 من الدستور.
من جانب آخر، يتبين أن القانون قد تم إنجازه وإقراره في وجهة نظري دون مراجعة موضوعية وفنية، وقد تجلى ذلك في الملاحظات التي وردت به، ومنها:
٭ وردت ضمن اختصاصات جهاز المنافسة موضوعات غير مرتبطة بمستهدفات انشاء جهاز متخصص، وإنما مرتبطة باختصاصات جهات تنفيذية داخل الجهاز او مسؤولية المكلفين بصفة وظيفية كرئيس مجلس إدارة الجهاز او المدير التنفيذي، وعلى سبيل المثال اختصاص اعداد تقرير سنوي عن أنشطة الجهاز وخطته المستقبلية للعرض على المجلس، واعداد مشروع الميزانية السنوية والحساب الختامي للجهاز.
٭ صنف القانون جهاز حماية المنافسة ضمن ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية وللجهاز مجلس إدارة، ويتولى رئيس الجهاز تمثيله أمام القضاء والغير، وفي ذات الوقت للجهاز مدير تنفيذي متفرغ، كما يحق لرئيس الجهاز ان يفوض المدير التنفيذي في بعض اختصاصاته، ومن غير الواضح أساس ذكر المسمى (رئيس الجهاز) في المادة 20 من القانون على الرغم عدم ورود هذا التعريف ضمن التعريفات المذكورة بالمادة الأولى من القانون، حيث ورد بالمادة المشار اليها المسمى (رئيس المجلس)، وفي المذكرة الإيضاحية ذكر ان رئيس مجلس الإدارة هو رئيس الجهاز، كما انه من غير الواضح ما هي المستويات الإدارية التي يصنف على أساسها كل من رئيس مجلس الإدارة ورئيس الجهاز (بافتراض ان هذا المسمى موجود قانونا) والمدير التنفيذي للجهاز، وذلك حتى يتم تحديد الأحكام التي تنطبق على تلك الوظائف وفقا لنظام الخدمة المدنية.
٭ نص القانون على أن يعين المدير التنفيذي بقرار من الوزير، في حين نص القانون السابق بان يصدر بتعيينه وتحديد درجته المالية مرسوم بناء على عرض وزير التجارة والصناعة، ما أضحى معه بان تلك الوظيفة لا تعتبر من ضمن الوظائف القيادية المحدد اشتراطاتها في أحكام المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن نظام الخدمة المدنية.
٭ نظرا لاشتراط القانون بان لا تقل خبرة المدير التنفيذي عن 10 سنوات، فان سنوات الخبرة المطلوبة تلك تعادل الخبرة المطلوبة لشغل وظيفة مدير إدارة ومن في حكمة وفقا لقرار مجلس الخدمة المدنية رقم 25 لسنة 2006 بشأن شروط شغل الوظائف الإشرافية، وما يعزز ذلك الراي هو أن اداة تعيين المدير التنفيذي قرار وزاري وليس مرسوما اميريا، وبالتالي سينعكس ذلك بالتبعية على الهيكل التنظيمي للجهاز والمزمع اصداره، بحيث لا تزيد مستويات الوحدات الإدارية بالجهاز عن مستوى إدارة، هذا كما نشير الى ان احكام القانون اشترطت ان مجال خبرة المدير التنفيذي في مجال العلوم الاقتصادية او القانونية، اما المذكرة الايضاحية نصت على ان مجال الخبرة تكون في العلوم الاقتصادية والقانونية معا، وقد اشترطت المذكرة الايضاحية بان تكون الأولية لذوي الخبرة في مجال المنافسة، في حين لم يرد هذا الشرط ضمن حكم المادة المعنية بالقانون وغيرها من العبارات.
٭ لم يتبين مغزى النص بالقانون بان المدير التنفيذي يقرر له مكافأة وليس راتبا كما هو متعارف عليه، حيث إن المكافآت تقرر عادة اما لأعضاء مجلس الإدارة او للمستعان بهم.
٭ نص القانون على ان المدير التنفيذي مسؤولا أمام مجلس الإدارة عن تنفيذ قرارات المجلس، وبذات الوقت نص القانون أيضا على اختصاصات رئيس المجلس والتي منها ومتابعة تنفيذ قرارات المجلس، مما أضحى معه عدم وضوح التراتبية الإدارية بالنسبة للمدير التنفيذي تجاه رئيس المجلس من جهة والمجلس من جهة اخرى في هذا الاختصاص، ما اصبح مسؤولية هذا الاختصاص مشاعة بين صفتين اداريتين بالجهاز.
٭ لم يتبين أيضا مغزى ان يحدد بقرار الوزير بشأن انشاء مجلس تأديب مكافأة أعضاء اللجنة، حيث تمت الإشارة أيضا الى تحديد بدلاتهم، وهذا امر مستغرب حيث لا توجد ممارسة سابقة بان تحدد بدلات بالإضافة الى المكافئات لأعضاء اللجان (ملاحظة تم النص بالقانون الى إقرار مكافأة وبدلات لأعضاء اللجنة في حين ان القانون نص على إنشاء مجلس وليس لجنة).
٭ في رأيي وقع المشرع في خطأ تشريعي جسيم فيما يتعلق بتحديد نوع ميزانية الجهاز، ففي المادة 23 من القانون حددت بان الجهاز وحدة إدارية (قسم خاص) ضمن ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية، في حين اعتبرت المادة 24 من القانون بان الجهاز وحدة إدارية في سياق الهيئات والمؤسسات الحكومية والتي تمول من ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية، وتبين ذلك من خلال موارد الجهاز الموضحة بالمادة المذكورة، بحيث يخصص للجهاز تمويل من الميزانية العامة للدولة بالإضافة الى ما يحصله الجهاز من ايراداته الذاتية، باعتبار الإيرادات الذاتية لا تورد للخزانة العامة للدولة، وانما يتم الاحتفاظ بها لدى الهيئة او المؤسسة العامة، ويتم تمويل الفرق بين الإيرادات والمصروفات من الميزانية العامة للدولة.
٭ أشارت المذكرة الايضاحية للقانون بان المادة 22 تناولت اختصاصات المدير التنفيذي، وأجازت له بان يفوض أيا من نوابه في بعض اختصاصاته، في حين ان النص الواردة في المادة 22 من القانون لم تتناول اية إشارة الى وجود نواب للمدير التنفيذي للجهاز.
٭ أشارت المذكرة الايضاحية للقانون الى أن المادة 23 تناولت ان يكون لرئيس الجهاز الاختصاصات المخولة لوزير المالية فيما يتعلق باستخدام الاعتمادات المقررة بميزانية الجهاز وتنظيم أعماله وشؤون موظفيه، في حين ان النص الوارد في المادة 23 من القانون لم تشر الى تلك العبارة لا من قريب ولا من بعيد، هذا بعد الأخذ بعين الاعتبار مشكلة تعريف رئيس الجهاز والتي تمت الإشارة اليه سابقا.
ختاما، نود التأكيد من ان العبرة ليست في كثرة عدد التشريعات التي تصدر بقدر موضوعية أحكامها وجودة مضمونها، وفيما اذا تمت مراجعتها من قبل الجهات المعنية من الناحية الفنية على سبيل المثال وزارة المالية وديوان الخدمة المدنية، وكذلك مدى اتساق تلك التشريعات مع البرامج الإصلاحية التي تتبناها الدولة.